يا سلام يا “نبض الشاعرية”،
أيُّ مدادٍ هذا الذي انسكب من روحك،
وأيُّ نصٍ هذا الذي سلك دروب السخرية بعذوبة،
وغاص في قاع الحقيقة دون أن يغرق في التهويل؟
لقد أمسكتِ بخيطٍ شفاف من واقعٍ متكسر، ونسجتِ به بساطًا يليق بعين القارئ الواعي… فكان نصكِ دعوة للتأمل لا للتسلي، ونداءً للحكمة وسط ضجيج العواطف المستهلكة.
طرقتِ باب “الحب” — لا كقصة رومانسية تنتهي بـ”عاشوا في تبات ونبات”،
بل كقضية اجتماعية معاصرة، تشكو من الاستهلاك، من التسليع، من سرعة الاشتعال والانطفاء،
كأننا نعيش في زمن لا يحتمل الطهي البطيء، ولا صبر المرق،
بل يريد الحب وجبة ميكرويف: سريعة، ساخنة، زائلة.
تشبيهكِ بـ “مندي الرومانسية وفشار الحب” ليس إلا صفعة أدبية لواقع يعاني من “الجوع العاطفي”،
جوعٌ لا تُشْبعه الوجبات الرمزية التي باتت تُقدَّم على موائد التواصل الاجتماعي،
كلمات معلبة، قلوب رقمية، ومشاعر تُوزّع كالـ”بوستات”…
تفتقر للعمق، وللاستمرارية، وللنية النقية خلف كل حرف.
أما عن الزواج، فقد رسمتِ صورته الحديثة بذكاءٍ ساخر،
“شهر عسل ينقلب إلى شهر بصل”،
عبارةٌ تختصر رحلة الانتقال من سكرة البداية إلى صحوة الواقع،
وكأن العلاقة خاضعة لقانون “الصلاحية”،
فإمّا أن تُستهلك بسرعة،
وإما أن تُرمى إن فقدت نكهتها الأولى.
ولكأني أراكِ تلوّحين من بعيد:
أين هو الحب الذي يُشبه القدر على نارٍ هادئة؟
الحب الذي يُنضج القلوب بدل أن يُحترق بها؟
أين المودة، الرحمة، النخوة؟
أين ذاك البيت الذي وإن ضاق بالمكان، اتّسع بالمحبة؟
أين تلك الوجوه التي كانت تقرأ الصمت، وتطبطب بالكلمة؟
اليوم، صارت البيوت مأهولة بالأجساد، مهجورة بالأرواح.
ورغم كل هذا، تركتِ في آخر سطوركِ “همسة أمل”،
ويا لها من همسة،
بذرة صغيرة في رماد الخيبة،
تبشّر بأن الدفء ممكن،
وأن الذكرى لا تموت،
وأن الحب الحقيقي، وإن هاجر، سيعود متى ما لُوّنت النوايا بالصدق،
واغتُسلت الأرواح من غبار التوقعات.
يا
@مِيرِيَام
أنتِ لم تطرحي مجرد “موضوع”، بل أطلقتِ صافرة وعي،
تخترق قلوبًا شغوفة، وعقولًا مترفة بالتساؤل.
وهذا ليس فقط قلمٌ ساخر بل ضميرٌ حي يحاور الزمن.
وإن اختلفنا،
فلا بأس… فالنقاش ليس صراعًا، بل فسحةٌ نزرع فيها أفكارنا، ونحصد منها نُضجنا،
فلكِ الشكر على هذا الطرح الدسم،
الذي لا يُقرأ على عجل،
بل يُرتشف على مهل
