تواصل معنا

تسللت بهدوء من مكانها، أخذت تلملم بقاياها المتناثرة في المكان، وقبل أن تغادر، تراجعت وتوجهت نحو المرآة، وكتبت عليها بقلم الشفاه : (ليس حظًا، بقدر ماهي صدفة...

يعرُب

كبار الشخصيات
عضو مميز
إنضم
10 أكتوبر 2024
المشاركات
29
مستوى التفاعل
38
مجموع اﻻوسمة
2
أجلت كل شيء.
تسللت بهدوء من مكانها، أخذت تلملم بقاياها المتناثرة في المكان، وقبل أن تغادر، تراجعت وتوجهت نحو المرآة، وكتبت عليها بقلم الشفاه :
(ليس حظًا، بقدر ماهي صدفة صنعت منها حظًا، حين تعثرت بكتابكِ، كان ذلك، يشبه أن تسقط من السماء فتلتقطك غيمة.. "مريم.
 
اسم الموضوع : أجلت كل شيء. | المصدر : قصص من ابداع الاعضاء

روح

💎نجمةالغابة الساطعة(مسؤلة فعاليات والمسابقات)
إنضم
3 سبتمبر 2024
المشاركات
15,459
مستوى التفاعل
4,238
مجموع اﻻوسمة
8
أجلت كل شيء.

هالعبارة على قد ما هي قصيرة… فيها مشاعر كثيرة!
أحيانًا الصدف فعلًا تكون ألطف من كل الترتيبات، والغيمة اللي تلقانا وقت السقوط؟ نادرة… بس تخلينا نؤمن إن الحياة ما تنسى أحد

كتابة هادئة، وتترك أثر بدون صخب
بانتظار باقي القصة لو لها تكملة 😍
 
Comment

يعرُب

كبار الشخصيات
عضو مميز
إنضم
10 أكتوبر 2024
المشاركات
29
مستوى التفاعل
38
مجموع اﻻوسمة
2
أجلت كل شيء.
مونتفيرميل
أسكن بها وهي الضاحية الشرقية لباريس، تحتاج قرابة الساعة حتى تصل لآخر محطة فيها، هناك أنزل ومعي الكثير من العرب الذين أصبحوا بلا اتجاه، خاصة الرجال منهم، وكما يقولون ما أصعب ما يمر به الرجل حين يكون بلا اتجاه، عندها يكون شبه ثور اسباني يتخبط وهو ينزف من الجروح التي أحدثوها في جسده قبل أن تأتيه الضربة التي تخترق قلبه.
_
الحياة هنا مليئة بالبؤس مع قليل من أمل يتقاسمه أهل الضاحية فلا يبقى منه شيئًا، يصبح أجزاء صغيرة لا تُكمل نصاب حلم يتحقق، لذلك تجدهم يحملون أجزاءهم علهم يحصلون على جزء آخر من شخص انتهت حياته أو حطمته الأيام، فلم يعد يرغب في أكثر من انتظار نهاية على مقعد في طرف الضاحية حيث تشرق عليه الشمس وتغيب، ثم يعود وهو يتمتم لم يكن اليوم الموعد.
_
تسقط التفاصيل بالتقادم، كلما تقدم بنا العمر تصبح ذاكرتنا مثقوبة وأحيانًا الوضع القائم حينها وسردها بطريقة إسقاط أجزاء منها كوننا نعتبرها غير مناسبة أو غير لائقة بحكم عمر من يستمع لها أو أننا نختصرها لشخص غالبًا لا يمنحنا ذلك الشعور الممتع لسرد حكاية، مأساة أن تكون شخص صاحب حكاية واحدة وتجربة واحد، هي ما تحمله معك طوال سنينك، يبدأ من حولك يملّون سماعها أو يحرضوك لسردها لضيف مزعج يرغبون بصمته وإشغاله عنهم أو تصبح حكاية المساء للأطفال بعد أن تقتطع منها الكثير.

_
سليم
صديقي المقرب والذي أثق به كثيرًا، نادرًا ما يتحدث أو يسرد حكاية، جل وقته الصمت حتى وإن استفزيته يصمت أو يبتسم إن عبثت معه بجنون، أسكن في العمارة المقابلة لهم تمامًا، في كل صباح وتقريبًا السابعة أجد والدته على البلكونة تدخن وتشرب قهوتها، بكل وقاحة أناديها " أخبري المغفل ينزل سأنتظره أسفل العمارة" ، أيضًا هي تمارس نفس طباع ولدها، لا ترد لكنها تخبره أني في الأسفل، يبدو أنه أخذ من طباعها الشيء الكثير، نلتقي ونسير إلى محطة الباص متوجهين للجامعة دائمًا ما اسأله – هل علامات الغباء ورثتها من أمك؟ أيضًا لا يرد ولا يتحدث عنها بشكل مفصل كلما سألته عنها، لا أعلم لماذا هو مازال يعيش معها في نفس البيت، ربما من أجل رسوم الدراسة التي توفرها له، تتحكم فيه أو أمر آخر أجهله، نعم فهو شخص غامض في صمته حتى في حديثه لا تعرف ماذا يريد أن يقول ، نفس أسئلتي تتكرر له كل صباح وكذلك يمارس صمته حولها.
تجرأ ذات يوم وسألني .. ما الذي بينك وبين والدتي ؟

أكثر ما أتذكره من تلك الحادثة والذي كان حديث الجامعة هو التصفيق الذي ناله سليم من بعد ذلك السؤال، يبدو أنه قاله بغضب، وأنا في حالة شرود مع نبرة صوته المختلفة عن عادتها ، ربما كان يريد لفت انتباه أحد الفتيات وقتها، لا أعرف؟!
هل هي التي أخبرني عنها لاحقًا أم فتاة أخرى، لم أحصل على جواب وقتها لأن موعد المحاضرة قد بدأ.

_
مرجانة
في الممرات حاولت أن أكرر عليه جملة واحدة " من هي ؟ " لم أحصل على جواب وحصلت على طعم الصمت، تذوقته هذه المرة بمرارة، وكأنه يعاقبني أو ينتقم لأمه، وهذا آخر توقعاتي.
دخلنا القاعة ومحاولاتي لم تنتهي أول مرّة يثير فضولي وأول مرة يتحدث بصوت غير صوته الهادئ وأول مرّة أشعر بغضبه على أمر والدته واستفزازاتي التي لا تنتهي، حتى ظننت أنها ليست والدته الحقيقية، لم أتوقف عن البحث عن فتاة سليم المجهولة، معقول تحرك قلبه، اهتزت مشاعره لفتاة!

الحياة أحيانًا تصدمك بغير ما تظن أو تعتقد، كنت أرسل له الورقة تلو الأخر ، وهو يمزقها، قصاصات صغيرة تقول " من هي؟ " حتى استجاب وكتب اسمها على القصاصة بعدما وعدته أني سوف أساعده في الوصول لها.
كتب (مرجانة)..
دوى صدى صوتي لا شعوريًا في القاعة " مرجانة " أخذ الصدى يتردد قبل أن يختفي كان صوتي يفوق المسافات بين الجدران، وبعد أن هدأت القاعة من صوتي، قامت الفتاة الباكستانية " مرجانة " وبهدوء تام قالت " نعم ".

_
السنين كفيلة بتغيير بعض الأفكار والمعتقدات حول بعض الأمور التي كنّا نتعصب لها في تلك الأيام، عادة مع الذكريات لا يوجد ندم حقيقي حول مواقفنا التي بنيناها، هي مرحلة ومرّت بحلوها ومرّها، ولو عاد بي الزمن لكنت في نفس الموقف منها ولا يزحزحني أي شيء عنها، قد تكون هي أفكارنا السابقة ولكننا إما طورناها أو طورنا أنفسنا لنتقبل الآخر بشكله، بدون أن نفكر بتغيير أي شيء فيه.

_
الضاحية
كانت هناك أزمة ثقافية دينية بين ثلاث فئات من سكان الضاحية العرب والباكستانيين والأفارقة، كانت المشكلة في النظرة التي يجتمع فيها الباكستانيين مع الأفارقة حول العرب، "أنهم برغم فسادهم وانحلالهم بشكل مفرط إلا أن عنجهيتهم لا يتنازلون عنها، بحكم أنهم أصحاب الموروث القديم الذي هم يعتنقونه ويدينون به، وأنهم أصحاب فضل على بقية الأعاجم وأن الكتاب المقدس نزل بلغتهم".
حتى وإن تعمقنا في فسادنا والانحلال الأخلاقي والدعارة التي تفوّق العرب فيها على الآخرين في حدود الضاحية إلا أنني تعجبت من موقف سليم واتجاهه نحو الفتاة الباكستانية.
اعتبر سليم تصرفي حد فاصل لقطع العلاقة بيننا، حاولت فيه مرارًا، لكن دون فائدة، كل الطرق المغرية لم تفد معه، حتى أنه لم يمنحني فرصة ليعرف السبب الذي جعلني أحمل الكثير من الحقد على والدته، ترك كل شيء وبقيت وحدي مع لا شيء.

_
الهلاوس التي تأتي منتصف النهار أقل وطأة من تلك التي تجتاحك في منتصف الليل، في الريف كان المعلم يسألنا كيف تلد البقرة ولماذا؟
كنت أتعجب من ولماذا! ، لماذا تلد؟ لا أعلم ربما من أجل الحليب أو اللحم أو أي شيء آخر لا علاقة لي به، بعض الأسئلة غريبة، لكن الأغرب أن هناك من يبحث عن جواب لتلك الأسئلة.

_
أنا
أجّلت كل شيء على أمل أن لا افقد أي شيء، لكن الزمن سرق مني كل شيء، أجلت أنوثتي سنة تلو أخرى وفي كل مرّة أجدد هذا التأجيل، حتى وصلت مرحلة عمرية وجدت أن الأمر قد أصبح شيء دائم لا يمكن معالجته.

كان سليم دائمًا يقول
- ما الفرق بيني وبينك؟ نلبس الجنز نتشابه في كل شيء حتى في حركاتنا نشبه بعض، الفرق في تكوين أجسادنا، تزيدين علي بثقب واحد فقط وانتفاخين لا شيء آخر يميّزنا عن بعض، ما الذي يجعلك في خانة النساء غير بعض الزيادات الجسدية التي وجدتِ في الحياة بها ؟! لكنك لا تشبهينهم، في اللبس، في طريقة حديثك وفي مشيتك، لم أشاهدك مرّة واحدة تتغنجين للحصول على أمر ما، كل الذي تتقنينه في الحياة الشتم، الشتم فقط ، وأخذك للحياة بجدية تفوق المطلوب، تعيشين في الحياة بفكرة واحدة وهي أن كل أنوثتك تحتفظين بها لشخص مجهول، بصفات وكأنها نظرية لا يمكن نقاشها - ثابتة - استقر العلماء على صحتها ولا جدال للخطأ فيها.

_
ليست كل الصدف جميلة وتتوافق مع ما نريد، بعضها يكون بداية انهيار تام، كتلك الأمواج القوية التي تتكسر على صخور الشاطئ، وترتد محطمة مهشمة تماما.
لذلك حينما يأتيك القدر كن مستعدًا له بشيء من الدعاء، فإما يغلبك أو تغلبه.
لم يكن الأمر في بداياته أكثر من مجرد حادثة تقع في أي مكان وزمان، لكن بعضها قد تتعثر بها ولا يمكنك الخروج منها كفخ محكم نُصب لك، لا تعلم من نصبه وأحيانًا تغفل عن نفسك التي قد تكون هي من نصبت لك ذلك الفخ.
حادثة تشبه تلك التي شاهدتها في أحد الأفلام عن فتاة تسقط ملابسها ويساعدها شخص في لملمتها وتصعد الحافلة وهناك بعض القطع التي لم تستطع أن تأخذها معها، وبقيت مع الشخص الذي ساعدها ، الجيد في الأمر أن فيها ما يدل على مكانها، وحدث بالفعل أن وجدها.. نهاية الحكاية لا تهم.

كنت على استعداد لركوب الحافة وحين تحرك اكتشفت أن أحد الكتب قد سقط، التفت للخلف وجدت شخص على بوابة الجامعة قد التقطه وأنا أراقبه، لم أكن على استعداد للنزول من الحافلة ودفع قيمة تذكر أخرى للحافلة القادمة ، أخذ الكتاب ولم يلتف نحوي كان يركب دراجة نارية وعليه الخوذة، كل ما عمله حركة بيده بعد أن قلّب الكتاب ووجد فيه الرقم ، فهمت منها انه سيتصل، ذلك كله بعث بداخلي شيء من الطمأنينة، كل ذلك السكون الذي بداخلي تبدد تمامًا حين وضعت عليه بعض الأسئلة، هكذا طبيعتنا كبشر نشتت لحظة الفرح والهدوء ببعض الأفكار العجيبة برغم منطقيتها في كثير من الأحيان، وكأننا نقول قد مللنا النظر للجانب المشرق، عيوننا حرقتها الشمس ، لماذا لا ننظر للجانب المظلم؟! قد نكتشف شيئًا في الظلمة.

كان أول الأسئلة ، لماذا لم يلتف نحو الحافلة بل اكتفى بإشارة من يده تدل على أنه سيتصل؟ ولماذا لم يلحق بالحافلة برغم أنها تسير ببطء؟ برغم أن السؤال الأخير احتماله ضعيف إلا أني طرحته ضمن حالة التشكيك التي حاولت أن أدخل نفسي فيها، للعبث ببقية يومي، ذهبت بخيالاتي كثيرًا نحو ذلك الشخص الذي لا أعرف هل هو فتى أم فتاة، فالناس أصبحت تتشابه في لبسها.

_
بلغراد
" الكل خرج برضا تام "
التقيت بسليم في أحد المؤتمرات في بلغراد، كان ذلك ونحن في سن ال 37 تقريبًا، فترة زمنية متوسطة من الفراق بدون أي تواصل، كنت أمثل أحد المؤسسات الصغيرة، بينما هو كان يمثل شركتهم، عرفت ذلك بعد أن تحدثنا عن مسيرته المهنية وكيف قامت والدته بتأسيس تلك الشركة كانت انطلاقة حقيقة في مجال الأعمال، حاولت أن أمزح معه حتى أرى مدى التغيّر في شخصيته، قلت له " جميل أن تمتلك شركة من أمول نجسة "، كان جوابه بسيط جدّا بضحكة بريئة " الكل خرج برضا تام " .

ثم سألني سؤاله الوحيد ما الذي بينك وبين أمي ؟
قلت لا شيء أكثر من أنها حاولت أن تجرني لمستنقعها، وأكون أحد الفتيات التي تربح من ورها المال، ربما لو وافقت حينها كنت ممن شارك في دعمك، لم يزعجني طلبها بقدر ما أزعجني أنها كانت تراهن على أن أكون أحد فتياتها، ذلك الرهان خلق بداخلي شخص مختلف تمامًا أعاني من قسوته حتى الآن، هل تعرف أني لم أتزوج حتى الآن ولا أعرف من الحياة الجنسية أي شيء، وجدت نفسي كائن يعيش في وهم الكبرياء، وهم يرفض منح الآخر متعة والأكبر من ذلك أني اعتقدت أن الفكرة كلها تتمثل في الأخذ فقط، بينما حقيقة الأمر أني كنت سأحصل على الكثير.


سقط كتابي نهاية الأسبوع، بقيت حبيسة غرفتي في شقة من ثلاث غرف تسكن معي ثلاث فتيات من أمريكا الجنوبية يحتلون الغرف الباقية ، لا نشترك في شيء غير الهاتف الموجود بالصالة، في الغالب لا نتحدث كثيرًا، إلا بعض السلامات ، الكل تشعر أنه في عجلة ، الكل يبحث عن شيء يجنبه السقوط، الحياة قاسية جدًا، لن تجد فيها من تستند عليه هنا، ستكون ضحية شرود لو تخاذلت عن هدفك أو تكاسلت في الجري ومصارعة الحياة، الشهر الوحيد الذي نأكل فيه بالمجان هو رمضان، لا أعرف من أين تتدفق تلك الأموال الكثيرة في هذا الشهر من السنة، ربما أن هناك من يتخلص من ذنوب الأشهر الباقية في هذه الأيام الثلاثين ، حتى أم سليم أحد المساهمين في تلك الموائد، وفجأة يختفي كل شيء بعد أن ينقضي الشهر تعود الناس لتوحشها ، تتخلص من سكينتها والهدوء الذي كان يتلبسها.

أنتظر اتصلًا من مجهول الهوية، ليخبرني عن كتابي، هناك شيء آخر في هذه الحادثة لا أعرف كيف أصفه، لكنه شيء حرك داخلي وكأني أبحث فيه عن قصة حب أو مغامرة صغيرة، الأفكار تذهب بي بعيدًا عن فكرة استرجاع كتاب، تصعد بي نحو مرتفعات العاطفة والشوق والحنين والوله، أشياء أفكر فيها، كتلك التي نقرأها في رواية أو نشاهدها في فلم، الصدفة، نعم هذا هو الأسم الصحيح لها، الصدفة التي تغيّر حياتك وتقلب موازينك، أصبحت حبيسة هذه الفكرة وحبيسة غرفة أنتظر أن يطرق أحد بابها أو رنين هاتف، لكن الأمور في كثير من الأحيان لا تسير كما نريد أو نعتقد أو حتى نفكر، لم يتصل أحد ولم يطرق الباب أحد أيضًا، كانت مجرد أحلام فتاة عشرينية، تعتقد أنها ستصبح سيدة.

_
الموروث
في المؤتمر أخبرني سليم أن أمر على الفندق الذي يسكنه لنكمل أحاديثنا ونسهر حتى موعد الرحلة الذي كان فجرًا، خطر في بالي ربما أنه هذه المرّة قد يتجرأ ويتحرش بي، كانت فكرة لا بأس بها لسيدة قريبة من الأربعين، لم تحصل على ارتعاشة كتلك التي تصفها أحد صديقاتها المتزوجات، أن لذتها تلتصق في أعلي الفم.

كنت أتجهز ووقفت لحظات أمام المرآة عارية تماما أتأمل جسد وتقاسيمه أحاول أن أتعرف عليه بعد أن فقدت خريطته، أبحث عن نفسي فيه، أبحث عن مواطن لم أكتشفها من قبل، شتت شرودي طرقات باب الغرفة ، حيث يسال عامل الفندق هل سأغادر اليوم؟
حزمت حقائبي وذهبت عند سليم أقضي بقية اليوم.
كانت الساعة الثالثة مساءًا، تجولنا في شوارع بلغراد حتى السابعة ، وعدنا للفندق، لم نكن نتحدث بتفاصيل كثيرة كانت المشاهد تأخذ تركيزنا، وقبل أن استقر على أحد الكراسي، بادرني سليم بسؤال ، هل تتذكرين مرجانة؟ هنا تهشمت صورة الفتاة العارية التي كنت أنظر لها في المرآة قبل أن آتي هنا، عدت أنا.

بدا سليم يسرد قصتها، يقول أنها حاول التقرب منها وقد فعل ، وكان هناك تبادل لبعض التصريحات بينهم حول التجاذب ،لكنها طلبت منه أن يزورهم في البيت، للتعرف على أهلها، هناك قابل والدها وهم من أصول كشميرية في الجزء الباكستاني، العجيب أن أكثر شيء لفت سليم أنهم برغم مدنيتهم التي يعيشونها في فرنسا إلا أنهم محافظين على مورثاتهم وعاداتهم وتقاليدهم في المنزل، اللبس والأكل وطريقة الحديث، ومعاملتهم لأطفالهم، كل شيء في منزلهم يوحي بأنك لست في فرنسا، بعكسنا تمامًا في التخلص من موروثنا في أسرع وقت ممكن ومحاكاة حياة الآخرين وكأننا نحرص على أن نكون جزء منها تاركين خلفنا كل ما يربطنا بماضينا، لكن سليم ترك مرجانة بعد تلك الزيارة، بحجة أنها لا تناسبه طبيعة أهلها ولكن الحقيقة التي لم يعترف أو يصرح بها، هي مشكلة والدته، ستلاحقه دائمًا في حياته، لا يمكن جعل والدته سرّ يمكن حبسه بحكم المؤبد، لا بد أن يهرب هذا السجين ويلاحقه في باقي حياته.

أصعب الأمور في الحياة أن تخرج كُلك ولا تترك جزءًا منك لتعود له في زمن الخيبات، عادة نحلم ونتوقع أمور، لكنها لا تقع في كثير من الأحيان، لذلك قلما تجد شخص يحاول ترتيب الأوضاع بدون المرور في انتكاسة ذات أمد بعيد، الفرق بينه وبين آخرين، حجم الخسائر من هذه الخيبات.
ضربت لنفسي موعدًا، من تلقاء نفسي، ورتبت للقاء في أحلامي، في ذهني كل شيء في وضعه السليم، هكذا لا بد أن يكون، لم أضع أي احتمال لعدم وجود شخص يحمل معه ما أظن أنه به ينتظرني، هكذا قررت، لم يخطر ببالي أنه ممكن وضعه عند حارس الجامعة أو تركه عند أشخاص يعرفوني، عادة هكذا نكون حينما نرغب في شيء بشكل فيه إلحاح، كل فكري عند صورة معينة، ستحدث عند أول يوم في الجامعة بعد الانتهاء من الإجازة.


وأنا أسير في ممرات الجامعة أشعر أن هناك من يراقبني أشعر بأنفاسه تقترب، لكن أحد لم ينادي وأنا كنت على هبة الاستعداد للالتفاف، كنت انتظر فقط أول حرف من اسمي، لكن الصورة التي في مخيلتي بدأت ألوانها تبهت كلما مرّ وقت منذ حضوري الصباح، في الثانية ظهرًا أصبحت صورتي بلا ألوان تمامًا، حاولت أن أبرر ما حدث بعدة أشياء، لكنها لم تُعيد الألوان للمنظر الذي في مخيلتي، أظنني حضرت كُلي ولم أترك من نفسي شيء في غرفتي هناك.
في حالة سرحان تام وأنا في حافلة العودة، ما يدور في ذهني عبارة لا أعرف معناها تحديدًا ولماذا حضرت؟!
"من يأتون من الموت لا يعودون "
لا أعرف مناسبتها، ولا أعرف لماذا أتت هذه التركيبة على لساني؟ وكأني أجتر الحيرة في لحظة بؤس.

_
بودابست
قلت لسليم ونحن في الفندق " أعيش كبعض النساء بقانون " لا تجتمع امرأتين في مكان واحد "، طبعًا قد لا تفهم المقصود من هذه العبارة لذلك لن أمنحك حق الشرح أو التفاصيل، لذلك لن استعجل العودة، سأمر بمكان قبل ذلك، بودابست يا عزيزي.

كان يضحك بتعجب ، وما الذي ستفعلين هناك؟
بعد أن أكملت الجامعة بسنتين حصلت على تذكرة مع إقامة يومين في بودابست، لا أعرف أحد هناك، اغلب الوقت اقضيه في الحدائق، كان خريف، وحين في ممرات تلك الحدائق تسمع تهشم الحيوات تحت أقدام، تلك الأوراق الجافة كانت مليئة في المكان مع أصوت الرياح التي تشبه الصفير حين تعبر خلال الأشجار العالية، وقفت عن رجل كبير في العمر، لا يتحدث يلبس تلك الأكوات التي نشاهدها في الأفلام القديمة ،مرتب، لا ينظر إلى أي شيء ولكنه يشعرك أنه قد أخترقك بنظراته، جلست مقابلة له، في محاولة لتبادل الحديث، لكنني فشلت، حتى أخرج منديل من جيبه وبدا يتحسسه، حاولت أن أراقب المنديل لعلى أجد في طرفه اسم أو حرف يرمز لصاحبته، هكذا توقعت، طريقة تحسسه تشعرك أن حول المنديل حكاية امرأة، تجرأت وسألته ، من صاحبة المنديل؟ كان رده غير متوقع حيث أشار أنه هو صاحب المنديل، لكن طلب منّي تحسسه، هل أشعر برطوبة فيه؟
يقول لقد كانت دموعها، توقفت ذاكرته عند المنديل الذي بللته السيدة التي كانت معه بكل تأكيد هي حبيبته، بظني أنها كانت لحظة فراق بينهم، وفي نفس المكان الذي يجلس فيه، آخر كلماته قبل أن يرحل " دموع نقيّة ".

حاول سليم لملمة شتاتي بعد أن عرف أن حديثه عن مرجانة أزعجني، كانت كلمته حاسمة لموضوع الذهاب لبودابست، قال سنعود للوطن سوية، لن ترحلي منّي هذه المرة، وبدأ يتحرش بي ، لكني أطلقت ضحكة ممزوجة بسخرية وحسرة، قلت من لم يفعلها قبل أكثر من 15 سنة لن يستطيع أن يفعلها الآن، أتيتك للفندق أنثى وأنا الآن امرأة، دعك من هذا الأمر السخيف.

هل تعرف قصة الكتاب الذي سقط مني، ومن تعثر به، لم يرجعه زمنًا، وكأنه تعثر بكنز.
قال أن الحادثة كانت حديث الجامعة فترة ثم اختفت تمامًا، قلت نعم، بعد مرور عدة أشهر ولم يظهر الكتاب بدأت بنشر الحديث حوله وأن من يأتي به سيحصل على الكثير، وجدت نسخ مزورة يأتي بها كثير من الشباب لكنهم لا يعرفون أني أعرف كتابي تمامًا كما أعرفك الآن أمامي.

مريم البوسنية .. هل تعرفها؟
هي من أخذت الكتاب من سائق الدراجة النارية، العجيب أنها احتفظت به، وكانت تسمع حديثي الدائم عنه وعن الرجل الذي انتظره أني يأتي به، أشغلت الجميع بحادثة الكتاب، وكأن الحياة بالنسبة لي توقفت عنده، لا أعلم عن سبب ذلك غير حلم أو وهم صنعته في رأسي، لم أشك فيها يومًا حول الكتاب برغم أنها دائمًا تحاول أن نفتح الحديث عنه في لمّتنا أثناء الاستراحة بين المحاضرات، قلت ربما يروق لها حديث العشق والانتظار، هناك من يحب أن يستمع ربما لعجز في اتخاذ قرار في حياته ،فيجد من سماع القصص والحكايات شيئًا من مواساة، هكذا هي طبائعنا، نلجأ أحيانًا للحيلة في لعبة الحياة.

كانت صبورة بما فيه الكفاية لتحصل على ما تريد، في أحد ليالي الشتاء كانت تطرق باب غرفتي وحين فتحت لها وهي تحتضن الكتاب، وكأنه كنزها الوحيد، سألتني من يحضر الكتاب على ماذا يحصل؟ قلت يحصل على ما يريد، بسرعة ودون تردد وأنا في دهشة، باغتتني وأوقعتني في حيلة صبرها وهزائم انتظاري.
 
التعديل الأخير:
1 Comment
عابر الأوهام
عابر الأوهام commented
السلام عليكم ورحمة الله
اخي العزيز
اتمنى عليك ان تكبر حجم الخط
😉
 

الجوري

ال𝒿𝑜...هسيس بين يقظة وغيم مسؤولة الأقسام الأدبية
مستشار الادارة
إنضم
23 فبراير 2023
المشاركات
63,755
مستوى التفاعل
25,930
مجموع اﻻوسمة
29
أجلت كل شيء.
هذا النص هو ارتجافةُ وجدانٍ عاشَ مؤجلًا، ونبضُ امرأةٍ خافت أن تختار، فاختارت التأجيل بديلاً عن السقوط. إنه سيرة جسد لم يُمنَح فرصة أن يكون أنثى، ليس لأن الحياة لم تُتح له، بل لأنها كانت تؤمن أن الاحتفاظ بالنقاء يشبه التحدي، تحديًا عبثيًا يشبه الجوع الذي لا يُشبع.

الزمن في هذا النص ليس خطًا مستقيمًا، بل دوّامة، تعود فيها الذاكرة كل مرة إلى بداية معلّقة، إلى كتاب سقط من الحافلة، إلى سؤال لم يُطرح، إلى رجل لم يقل شيئًا لكنه سكن السؤال. الكتاب هنا ليس مجرد غرض، بل رمز للذات التي أُهملت، والتي يُراد لها أن تُستعاد، ولو عبر صدفة، ولو عبر وهم، ولو عبر امرأةٍ أخرى.

المرأة التي تروي، لم تؤجل الحب فقط، بل أجّلت حضورها كله، كما لو أن التأجيل هو الطريقة الوحيدة لحماية الداخل من التشظي. لكنها، وهي تنتظر، صارت لا تعرف من تكون، وصارت لا تشبه النساء ولا تشبه الرجال، صارت معلّقة في الفراغ.

كل من في النص ضائع، وكل الحكايات التي تُروى هي محاولات يائسة للقبض على لحظة صدقٍ، أو قُبلة مؤجلة، أو دفء لن يأتي. لكن في قلب النص، هناك فكرة واحدة تقف كقوسٍ معكوس:
أننا لا نعيش، بل نُرتّب أنفسنا كل الوقت كي نعيش لاحقًا.

والمأساة أن هذا "اللاحق" لا يأتي أبدًا.

الجزء الذي هزني بالنص......
لست أدري كيف يمكن لمنديل أن يحمل كل هذا الثقل.
لكنه لم يكن قماشة بين يدي العجوز، بل كان ذاكرة نقيّة، مبللة بدفء امرأة غابت، وبقيت دمعتها شاهدةً على أنها مرّت من هنا.
هزني المشهد لأنه أبعد من مجرد حنين؛ إنه اختزال كامل للإنسان في فعلٍ بسيط، لمسة، تحسس، رعشة يدٍ تبحث عن صوت قديم.

كأن العجوز لا يريد نسيانها، بل يحتضن وجعها ليبقى حيًا.
كأننا لا نتشبث بالأشياء لأننا ضعفاء، بل لأن ما فُقِد كان عظيماً بما يكفي ليبقى.

هزني لأنه لأول مرة أرى قلبًا يُمسك باليد، لا داخل الجسد، بل خارج الصدر، مطويًا بعناية، ومحتفظًا بدمعة لا تتبخر.
منديل واحد... لكنه كل الحب الذي لم يُقال.

وأخيرًا، يبقى السؤال يتردد في الأفق، يتسلل إلى أعماقنا:
هل يمكننا حقًا أن نحظى بقلب يرتجف هكذا، يحتضن دمعة لم تمسح، وذاكرة لا تُمحى؟


شكراً من القلب لك استاذي @يعرُب،
على روحك التي تنساب في كلماتك، وعلى الحنان الذي زرعته في تفاصيل هذه القصة،
لقد حملتنا بين أنفاسك، وتركت لنا بصمة من الحُب والحنين لا تُمحى.
دمت نابضًا بالصدق والعطاء.
الjo
 
Comment

يعرُب

كبار الشخصيات
عضو مميز
إنضم
10 أكتوبر 2024
المشاركات
29
مستوى التفاعل
38
مجموع اﻻوسمة
2
أجلت كل شيء.
Comment

يعرُب

كبار الشخصيات
عضو مميز
إنضم
10 أكتوبر 2024
المشاركات
29
مستوى التفاعل
38
مجموع اﻻوسمة
2
أجلت كل شيء.
هالعبارة على قد ما هي قصيرة… فيها مشاعر كثيرة!
أحيانًا الصدف فعلًا تكون ألطف من كل الترتيبات، والغيمة اللي تلقانا وقت السقوط؟ نادرة… بس تخلينا نؤمن إن الحياة ما تنسى أحد

كتابة هادئة، وتترك أثر بدون صخب
بانتظار باقي القصة لو لها تكملة 😍

اتمنى أن تروق لك التكملة كما البداية


ممنون ع حضورك هنا
 
1 Comment
روح
روح commented
رائعة جدا 😍
ابغى التكملة 🙄☕
 

عابر الأوهام

كبار الشخصيات
عضو مميز
إنضم
18 يونيو 2025
المشاركات
5,066
مستوى التفاعل
1,936
مجموع اﻻوسمة
5
أجلت كل شيء.
وعليكم السلام
هل الخط مناسب لك الآن، فعلتها من أجلك
احسنت اخي العزيز ساكمل القراءة
نعم مناسب جدا شكرا لك من القلب
 
Comment

روح

💎نجمةالغابة الساطعة(مسؤلة فعاليات والمسابقات)
إنضم
3 سبتمبر 2024
المشاركات
15,459
مستوى التفاعل
4,238
مجموع اﻻوسمة
8
أجلت كل شيء.
قرأت القصة كأنها مرآة، تعكس صمت الروح وحكاياتها التي لا تُقال
في تفاصيل سليم ومرجانة، رأيت صراعات الحياة التي تكسرنا وتُعيد تشكيلنا بهدوء الألم
الكتاب الساقط ليس مجرد ورق، بل رمز لأحلام تاهت وأوقات ضاعت بين انتظار اللقاء وصمت الغياب

هذا النص يهمس لنا بأن الجروح العميقة أحيانًا تخلق أجمل الحكايات، حتى وإن لم تُكتب نهاياتها بعد

يعرُب @يعرُب
في انتظار التكملة ☕
 
Comment

هدوء

💎مستشار اداري
نائب المدير العام
إنضم
24 مارس 2022
المشاركات
48,422
مستوى التفاعل
35,746
مجموع اﻻوسمة
18
أجلت كل شيء.
متابع لهامة قلمك الأنيق كأنت
 
Comment

المواضيع المتشابهة

sitemap      sitemap

أعلى