ولكن، مع كل كلمة أكتبها، تظل المسافة بيننا كما هي، تبعدنا أكثر عن الحقيقة التي تسكنني. ففي اللحظة التي أظن فيها أنني قد اقتربت من صورتك، تبتعدين عني كما لو أن السماء لا تمنحنا إلا لمحاتٍ من الضوء تُسابقها الظلال.
أنتِ رقة الحرف، وعذوبة السطر الذي يرفض الانتهاء. كيف لي أن أسطر الكلمات وقد اخترقتِ فوضى الزمن؟ كيف لي أن أشرحَ هذا الارتباك في قلبي وأنا أبحثُ عنكِ بين السطور، أراقبُ روحكِ تتراقص بين خيوط الضوء، ولا أجدُ سوى الفراغ الذي يخلفه غيابكِ؟
أنتِ، حروف لا تكتمل، وأبجديات لا تنتهي، وعذوبة لا يُحصر جمالها. كلما حاولتُ أن أخترق هذا الصمت الذي بيننا، وجدتكِ تطوفين في أبعادٍ غير مرئية، تصنعين من ليلِ الوحدة فسحة أمل، ومن خيالي جسرًا يصلني إليكِ، حيث لا صمتَ هناك، ولا ضجيج.
أنتِ أكثر من كلمات، وأكثر من أحلام تُنسج على أطراف الليل. أنتِ المدى الذي لا أستطيع الوصول إليه، والبحر الذي لا تبحر سفني إلا في رياحه.
أكتب عنكِ وكأنني أخطُّ سطورًا للحياة نفسها، عن كل شيءٍ كانت تودُّ الحياة أن تقولَه لكنها صمتت. وكأنكِ اللغة التي فتحتُ بها فمي لأبتهج، وأكتبُ بها قصة لا أحد يقدر على سردها سواكِ. لا شيء يتكرر معكِ، كل لحظة معكِ تبقى كما هي، أبديةٌ وتتفجر.
وأنا بين هذا الصراع الكبير، ما زلتُ أكتب عنكِ، وفي كل كلمةٍ أكتشف أنني أقرب إلى حقيقةٍ لا تنتمي إلا إليكِ.
