الفصل السادس ...
"ليلة المطر... والكهف العجيب"
مرّت ساعات طويلة والمطر لا يتوقف، كأن السماء فتحت عليها نبعًا أبديًا.
التصق الأصدقاء بالأكواخ الصغيرة البائسة التي بالكاد تحميهم من البلل. كان المشهد كئيبًا… أحذية غرقت، ملابس علقت بالوحل، والجو صار مثاليًا فقط للبط.
مجيد يحاول يشعل سيجارة لكن كلها تغرّق:
"يابه، حتّى جكايري غرگت... بختنا مطر."
ندى تهز عباءتها وهي تئن:
"قسم بالله حسّيت نفسي غسّالة تعبانة من الدوام."
جوري تضحك وهي تحاول تعصر كمّ سترتها:
"عنجد، نحنا بندور عالنيبال، طلعت بتدور علينا!"
هدوء وهو يعصر شماغه مثل الاسفنجة:
"يا ساتر... كأني لفيت الحرم ثلاثين شوط بالماي."
بعد أن بلغ اليأس مداه، اجتمعوا عند إدارة الفندق.
بملامحهم الغاضبة، ورائحتهم المبللة، كانوا مشهدًا كافيًا لجعل أي موظف يتنازل عن نص راتبه.
عمر قال بتهذيب لا يخلو من تهديد لطيف:
"نحن نطالب بخدمة تليق بالمطر اللي جابنا."
سمارة تهمس لجوري:
"حبيبييي قلبيي عمر صار سياسي بهاللحظة!"
---
وفعلًا، تحت الضغط الجماعي، رضخ الفندق.
نقلوهم إلى قسم جديد يسمّى "الكهف".
ريم تمسك مفتاح الغرفة بدهشة:
"چماعة، أنطونا مفتاح غار… مو فندق."
خالد يفحص الممرات الحجرية ويقول:
"والله حسيت نفسي في فلم مغامرات… باقي يطلعلي تمساح."
---
عند وصولهم إلى الكهف، كان الاستقبال بانتظارهم.
الموظف النيبالي انحنى بلطف شديد وقال بلغة مكسّرة:
"ليلة اليوم… ليلة صمــــت… كل فنادق صمت… نتوهد مع الطبيعة .... أنتم صمت… أوكي؟"
ندى تنظر حولها، تهمس:
"صمت؟ يعني ما نضحك؟ ما نصارخ؟ ما نموت من الهبال؟"
عمر يدوّن بخط مرتب:
أصعب أنواع العذاب: ممنوع الضحك مع أصدقاء يحبون الضحك.
مجيد قال وهو يتنهد:
"يابه، حتّى الضحك صارت عليه غرامة."
الليل ساد صامتًا، بس مو صمت عادي، صمت متوتر ومضحك.
كل واحد يحاول يقاوم أي صوت، بس الفوضى تنفجر بكل لحظة غير متوقعة.
جوري تمشي بحذر، لكن فجأة تتعثر بدرج حجري صغير وتطيح بطريقة درامية.
ندى تحط يدها على فمها عشان ما تصرخ ضحك.
خالد يحني راسه وهو يرجف من الكتمان.
هدوء يهمس بعصبية:
"أنا بخير… بس قلبي طاح مو جوري."
جلسوا بصالة الكهف، وكلهم قاعدين يمثلون البراءة والصمت.
لكن...
ريم فجأة تطلع كيس بطاطس، أول ما فتحت الكيس، صوت طراااق! رجّع الصدى بالجدران ثلاث مرات.
العالم التفت عليهم كأنهم فجّروا لغم.
سمارة تبكي من الضحك وهي تكتم نفسها بالجاكيت.
إسكاد يكتب بورقة صغيرة:
سقطنا بالصمت... وسقطت بطاطس ريم شهيدًا.