اسكادا
ملكة الأسطبل - مشرف الاقسام الادبية-المقهى الأدبي
الاشراف

نهاية تشبه البداية - الفصل الأول

يُقال إن أعقد الحكايات ليست تلك التي نرويها، بل التي نحياها بصمت، حيث تتشابك المشاعر كخيوط واهنة، متينة في ظاهرها، لكنها في باطنها وعودٌ معلّقة على حافة الانهيار. نحن لا نختار أن نكون أبطال قصصنا، لكنها تختارنا، ترسم ملامحنا، وتقذف بنا في دوامات لا نجيد السباحة فيها.
هذه ليست حكاية حبّ كما تظن، وليست حكاية خيانة كما قد يخطر في بالك.
بل هي قصة أولئك الذين علقوا بين الحياة التي أرادوها والحياة التي كُتبت لهم. قصة قلوب نبضت خارج إيقاعها، بحثًا عن ضوء في زوايا معتمة، وعيونٍ تعلّقت بحلم، قبل أن تدرك أن بعض الأحلام لا تُمنح، بل تُفتدى بثمن باهظ.
”نهاية تشبه البداية” ليست مجرد رواية، بل مرآة تعكس وجوهًا تاهت عن نفسها، وأقدامًا وقفت على تخوم القرار الأخير، تتساءل: أي الطريقين أقل وجعًا؟
في مدينةٍ تعانقُ ناطحاتُ سحابها الغيوم، وتتلألأ لياليها تحت وهج الأضواء البعيدة، كانت “مريم” تعيش حياتها التي يراها الآخرون مثالية.
امرأةٌ وُلِدت لتكون حديث العيون، لكنها كانت تحمل في داخلها عاصفةً لا تهدأ، كأنما خُلِقت لتصارع الأقدار التي لم تخترها.
كانت متزوجة من “عمر”، الرجل الذي يُجسّد الاستقرار والاتزان، رجلٌ يمضي في الحياة كما لو أنه خُلق ليكون جزءًا من نظامٍ صارم لا يقبل الاختلال. لم يكن سيئًا، بل كان مثالًا للزوج المسؤول، لكنه كان كحائطٍ صلب، يُشعِرها أنها محاصرة بين جدران لا ترى فيها سوى انعكاس وحدتها. لم يكن يفهمها، أو ربما لم يكن يكترث لأن يفعل.
على الورق، كانت حياتها مكتملة.
زوج، منزل راقٍ، أطفال يملأون المكان ضحكًا وصخبًا. لكنها كانت تشعر أن روحها تسير في ممرٍ طويل لا نهاية له، أن هناك شيئًا ما ضائعًا، مجهولًا، لم تعرف كيف تصفه لكنه ظلّ يطرق أبواب قلبها بلا رحمة.
ثم جاء “خالد”.
رجلٌ يختلف عن كل شيء عرفته.
يحمل في عينيه بريق المغامرة، وفي صوته دفءٌ لم تعتده. لم يكن يشبه عمر، ولم يكن يشبه أي رجلٍ آخر.
كان يشبه الحكايات التي لم تُروَ بعد، وكان كلماته تلامس شيئًا دفينًا في داخلها، كأنها توقظها من سباتٍ طويل.
لم تكن لقاءاتهما الأولى طويلة، لكنها كانت مكثّفة. كان حديثه أشبه بزخّات المطر على أرضٍ عطشى، وكل كلمةٍ ينطقها كانت تفتح في داخلها بابًا نحو شعورٍ لم تعشه من قبل. كانت تنجذب إليه لا بإرادتها، بل برغبة روحها التي تبحث عن ضوءٍ في متاهة حياتها.
ومع مرور الأيام، تحوّل انجذابها إلى نارٍ خفية تأكل صبرها. كان وجوده في حياتها تحديًا لكل ما ظنّت أنها تؤمن به. لم تكن تعلم إن كان هذا حبًا أم هروبًا من حياةٍ لم تكن يوماً على مقاسها.
لكنها كانت تعرف شيئًا واحدًا فقط: خالد منحها شيئًا لم يمنحها إياه أحدٌ من قبل… الحياة.
وفي ليلةٍ باردة، قررت أن تلتقي به، بعيدًا عن العيون، بعيدًا عن الأسئلة التي تملأ رأسها. اختارت مكانًا لا يشبه حياتها الروتينية، بل يشبه إحساسها الجديد؛ مطعمًا فاخرًا في ناطحة سحاب، حيث المدينة تمتد أمامهما بلا نهاية،
حيث الأضواء تلمع كأنها أملٌ مؤجل،
وحيث الموسيقى الخافتة كانت تعزف على أوتار قلبها.
جلست مريم على الطاولة، وعيناها تتأملان الأفق البعيد، كأنها تبحث عن إجابة بين أنوار المدينة المتوهجة.
دخل خالد، ووقف أمامها للحظات قبل أن يجلس. كان في عينيه شيءٌ لم تفهمه، مزيجٌ من الجرأة واليقين.
“هل أنتِ مستعدة أن تتركي كل شيء؟” قالها بصوتٍ هادئ، لكنه اخترق أعماقها كسهامٍ غير مرئية.
حبست أنفاسها، أطرقت للحظة، ثم رفعت عينيها إليه. كانت هناك آلاف الإجابات تتصارع في داخلها، لكن شفتيها لم تنطق سوى بسؤالٍ وحيد:
“وماذا لو كان لا شيء يستحق؟”
ابتسم خالد ابتسامةً واثقة، اقترب قليلًا، ثم همس بصوتٍ لم يكن إلا صدىً لما يدور في داخلها:
“لكن ماذا لو كان يستحق كل شيء؟”
(نهاية الفصل الأول)
اعضاء الغابة العربية شاهدوا ايضا
اسم الموضوع : نهاية تشبه البداية - الفصل الأول
|
المصدر : قصص من ابداع الاعضاء
شكراً من القلب على كلماتك الرقيقة وتشجيعكِ الثمين!
سعيد بأنّ السطور قد لمست فيكِ شعور الاحتياج وفتحت لكِ أبواب التأمل العميق. وجودكِ معنا منذ البداية وحتى هذه اللحظة شرفٌ يرفع من مسؤولياتي تجاه الحكاية.
ترقبِي بقية الفصول، فكل فصل يحمل مفاجآت وأسراراً تنتظر الكشف عنها.
دمتِ قارئةً ملهمة، وإلى اللقاء في صفحاتٍ جديدة من “نهاية تشبه البداية.“