تواصل معنا

السلام عليك هنا سأكتب جميع اجزاء رواية الفتى الصامت اتمنى ان يكون الرد بل كومنت كي لا نشوش على القارء قراءة ممتعة

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء

السلام عليك
هنا سأكتب جميع اجزاء رواية الفتى الصامت
اتمنى ان يكون الرد بل كومنت كي لا نشوش على القارء
قراءة ممتعة
 

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء
المقدمة

في ارض الجن، حيث تلتقي عوالم الجن والبشر، اشتعلت حربٌ أودت بحياة الكثيرين، لتؤدي إلى نفي الجنية "ريحانة" من مملكتها. اختارت جسد الشاب "علي" ليكون وعاءً لروحها. مع مرور الوقت، بدأ علي يشعر بوجودها داخله، ليكتشف أنه لا يواجه صراعًا بين الجن والإنسان فقط، بل صراعًا بين القلب والعقل.
"الفتى الصامت" هي قصة عن حب غير متوقع، تضحية وشجاعة، وعن قوة الروح البشرية في مواجهة أقوى القوى. عندما يلتقي علي وريحانة، يصبح المستحيل ممكنًا.
 
3 Comments
ندى الورد
ندى الورد commented
بالتوفيق متابعة ان سعفني الوووقت
 
Nobody
Nobody commented
اهلا بكي الان ستنشر جميع الاجزاء
 
ندى الورد
ندى الورد commented
اهلاااا بك
 

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء
الجزء الاول

في قلب الربع الخالي، حيث تمتد أكبر ممالك الجن في العالم، اندلعت حرب دامية بين قبائل الجن، راح ضحيتها عدد لا يحصى من المقاتلين. في النهاية، انتصرت قبيلة الحواسم على قبيلة السوادن، وسقط شيخ العشيرة قتيلًا، بينما وقعت ابنته الوحيدة، ريحانة، أسيرة في يد المنتصرين.

اقتيدت ريحانة إلى زعيم قبيلة الحواسم، حيث أجلسوها على الأرض لتسمع حكمها المحتوم. وقف الزعيم بشموخ وأعلن بصوت ثابت:

"ريحانة، ابنة القبيلة التي أشعلت نار الحرب… نحن العرب، لم يكن من شيمنا قتل النساء أو تعذيبهن، ولا سبي بنات الأشراف. وقبيلتك وقبيلتنا أبناء عمومة. لذا، قررنا نفيك من المملكة، وسجنك داخل جسد فتى من اختيارك."

رفعت ريحانة رأسها، رغم انكسارها، وقالت بهدوء يخفي بركانًا من المشاعر:
"الحكم حكمكم، وما كان لنا أن نعترض ونحن مغلوبون… أريد أسعد شخص في هذه البلاد."

تبادل الزعيم نظرة مع رجاله، قبل أن يرد بصرامة:
"حُسم الأمر، وسنلبي طلبك."

نُقلت ريحانة إلى العراق، حيث عُرض عليها عدة أشخاص. راقبتهم بعناية، حتى وقع نظرها على شاب لم تفارق الابتسامة وجهه، وكأن الحياة لم تعرف إليه طريق الشقاء. كان يجلس متأملًا، يقرأ دواوين الشعر، غارقًا في عالمه الخاص. اسمه علي.

بلا تردد، اختارته.

في اللحظة التي بدأ فيها الطقس، شعر علي بضيق مفاجئ في التنفس، لكن الغريب أنه لم يُبدِ أي علامة استياء، لم يتلوَّ أو يتألم، بل استمر في قراءة كتابه كأن شيئًا لم يكن. أما ريحانة، فقد صُدمت… فقد رأت من قبل من يُختَم بهم الجن، وكيف يصرخون بعنف، ويفقدون السيطرة على أجسادهم، أما هذا الفتى، فلم يتغير فيه شيء.

وما إن اكتمل ختمها داخله، حتى حاولت السيطرة على جسده، لكنها لم تجد مقاومة! تسلل شعور بالارتياح إليها، لكن فجأة… انهار جسد علي وسقط على الأرض، فيما دوَّى صراخها بالألم!

داخل عقلها، همست بصوت يائس:
"أهذا هو الشعور الذي يعيشه أسعد شخص على هذه الأرض؟! تبًا!"
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء
الجزء الثاني
ما إن سقط علي على الأرض، حتى أدركت ريحانة أن جسده ليس كسائر البشر الذين رأتهم من قبل. كان الألم يمزق كيانه، لكنها شعرت بشيء أعظم من ذلك… شيء جعلها تسحب نفسها من داخله على الفور، غير قادرة على الاستمرار.

وفجأة، انفتح باب الغرفة، ودخلت أخته بسرعة، وعلامات القلق على وجهها.

"أمي تسأل… ماذا هناك؟ لماذا صرخت فجأة؟"

نظر إليها علي بهدوء، كأن شيئًا لم يحدث، ورد بصوت ثابت:
"لا شيء… أظن أنني سقطت على الأرض. لا توجد أي مشكلة، يمكنك الذهاب."

حدقت فيه أخته قليلًا، ثم خرجت من الغرفة، مغلقة الباب خلفها.

أما ريحانة، التي كانت تشاهد المحادثة من داخل جسده، فلم تصدق ما تراه… هل من الممكن أن يكون هناك بشري يتحمل كل هذا الألم ويخفيه بهذه البساطة؟ كيف له أن يسقط بهذه القوة، ولا يظهر أي علامة ضعف؟ كان البشر، في نظرها، مخلوقات هشة، تنهار أمام الألم، لكنها الآن ترى شيئًا لم تعهده من قبل.

في تلك اللحظة، أيقنت أنها لن تستطيع السيطرة عليه… ولن تتحمل جسده!

لكن لم يكن أمامها خيار سوى الصبر.

مرّ الأسبوع الأول، وبدأت ريحانة تراقب حياة علي عن كثب. شيئًا فشيئًا، بدأت تعتاد على وجوده… بل وبدأت تُعجب به. كان شخصًا هادئًا، وجهه دائمًا يحمل ابتسامة صافية، يفضل العزلة والكتب على الاختلاط بالناس. كانت حياته غريبة بالنسبة لها، لا تشبه حياة البشر الذين اعتادت رؤيتهم.

لكن رغم ذلك، لم تفهمه.

لم تفهم كيف يمكن لشخص أن يكون سعيدًا وهو وحيد، كيف يمكن للقراءة أن تكون أكثر متعة من الحديث مع الآخرين؟ لماذا لا يغضب، لماذا لا يصرخ، لماذا يخفي ألمه؟

حاولت عدة مرات السيطرة عليه من جديد، لكن النتيجة كانت دائمًا نفسها… كلما حاولت، كان الألم يعصف بها، حتى باتت تخشى المحاولة.

وهكذا، بدأت رحلتها في جسد علي، وهي تدرك أن الأمر أبعد بكثير من مجرد ختم أو سيطرة… إنها أمام لغز لم تواجه مثله من قبل.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء
الجزء الثالث
مرت الأيام وبدأت ريحانة تتأقلم مع جسد علي، لكنها لم تكن تتوقع أن تعيش حياة بلا ضوضاء، بلا صخب، بلا مشاعر واضحة. علي كان هادئًا أكثر من اللازم، وكأنه ليس من هذا العالم، وكانت هذه الهدوء يعذبها أكثر مما تتخيل.

راقبته طويلًا، محاولًة أن تفهمه. لماذا لا يغضب؟ لماذا لا يفرح؟ لماذا يبدو كأنه يرفض التفاعل مع الحياة؟

في أحد الأيام، بينما كان جالسًا في غرفته كعادته، يقرأ كتابًا في صمت، قررت أن تتحدث إليه لأول مرة:
"لماذا تخفي ألمك؟"

لم يرد، لم يتوقف حتى عن القراءة، وكأنها مجرد صوت في عقله لا يستحق الاهتمام.

عادت لتسأله بإصرار:
"أنت تتألم، أليس كذلك؟ لماذا لا تُظهر ذلك؟"

هذه المرة، أغلق علي الكتاب ببطء، وضعه بجانبه، ثم قال بصوت منخفض:
"لأن لا أحد يهتم."

تجمدت ريحانة في مكانها. هذا الجواب لم يكن متوقعًا. كانت تظن أنه قوي، متماسك، لكنه ببساطة قرر أن يخفي ألمه لأن لا أحد يهتم!

بدأت أفكارها تتشابك. هل البشر جميعهم هكذا؟ هل يكتمون الألم حتى لا يكونوا عبئًا على الآخرين؟

لكنها لم تستسلم. في الأيام التالية، راقبته أكثر، بحثت عن أي دليل يجعله يظهر مشاعره الحقيقية. كانت متأكدة أن وراء ذلك الهدوء عاصفة مدفونة في أعماقه.

في إحدى الليالي، وبينما كان نائمًا، حاولت السيطرة عليه مجددًا، لكن جسده رفضها كعادته، وكأن هناك قوة تمنعها من الدخول بعمق في وعيه.

لكنها لمحت شيئًا… رأت حلمه.

كان علي يمشي وحيدًا في شارع مظلم، المطر يتساقط بغزارة، وصوته يختفي وسط الضجيج. الناس حوله يتحدثون، يضحكون، لكن لا أحد يراه. كان شفافًا، كأنه مجرد ظل لا وجود له.

شعرت ريحانة بشيء غريب لأول مرة… شعرت بالشفقة.

لم يكن علي شخصًا بلا مشاعر كما ظنت. كان فقط منسيًا، غير مرئي.

في الصباح، استيقظ علي كالمعتاد، ارتدى ملابسه، وأخذ كتابه، وكأن شيئًا لم يحدث. أما ريحانة، فجلست تراقبه وهي تدرك أن الأمر أكثر تعقيدًا مما ظنت.

لم تعد تراه مجرد بشرٍ ضعيف يمكنها السيطرة عليه… بل أصبح لغزًا أرادت أن تفك شيفرته.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء
الجزء الرابع
استيقظ علي باكرًا كعادته، أشعة الشمس تسللت عبر نافذته الصغيرة، تلون غرفته بضياء خافت. فتح عينيه ببطء، ثم نهض من سريره دون أي تذمر أو كسل، وكأنه آلة اعتادت على هذا النمط. لم يكن يستمتع بالصباح، لكنه لم يكن يكرهه أيضًا… فقط يتقبله كما هو.

راقبته ريحانة في صمت. مر أسبوع على وجودها داخل جسده، ولم تستطع فهمه بعد. كان مثل صفحة بيضاء لا تكشف أسرارها بسهولة.

توجه علي إلى المطبخ، حيث وقفت والدته، امرأة في منتصف العمر بملامح هادئة وابتسامة دافئة، تعد الفطور. بمجرد أن لمحته، التفتت نحوه بابتسامة وقالت:

"استيقظت باكرًا كعادتك، يا علي. ألا تود النوم قليلًا؟"

هز رأسه نافيًا، ثم جلس على الكرسي بهدوء. كان ينظر إلى والدته بحب واضح، لكنه لم يكن يعبر عنه بالكلمات، فقط بتلك النظرة الصامتة المليئة بالامتنان.

وضعت أمه كوبًا من الشاي أمامه، قائلة بلطف:
"أعرف أنك لا تحب الأكل في الصباح، لكن اشرب الشاي على الأقل."

أخذ الكوب بين يديه وقال بصوت هادئ:
"شكرًا، أمي."

ريحانة، التي كانت تراقب هذه اللحظة من داخله، شعرت بأمر غريب… كان علي يبدو مختلفًا عندما يكون مع والدته، كأنه يرتدي وجهًا آخر، أكثر حنانًا وأقل عزلة. لم يكن يتحدث كثيرًا، لكنها شعرت بحبه لها من طريقة جلوسه، من اهتمامه بكل كلمة تقولها، من هدوئه الذي لا يشبه هدوءه المعتاد.

وبينما كانت أمه ترتب بعض الأغراض، التفتت إليه فجأة وسألته:
"علي، هل أنت بخير؟ أشعر أنك صامت أكثر من المعتاد."

ضحك علي بهدوء، وهي أول مرة ترى ريحانة فيها شيئًا كهذا. لم تكن ضحكة صاخبة أو حقيقية تمامًا، لكنها كانت ابتسامة دافئة، صافية.

"أنا دائمًا صامت، أمي."

أطلقت الأم تنهيدة صغيرة، ثم وضعت يدها على رأسه قائلة:
"أعلم، لكنك ابني، وأشعر بك حتى لو لم تتكلم."

ريحانة شعرت بقشعريرة. شيء ما في تلك اللحظة جعلها تتوقف عن التفكير… هل يمكن أن يكون هذا الإنسان، الذي ظنته باردًا، يحمل داخله مشاعر أعمق مما تتخيل؟

أنهى علي كوب الشاي، ثم وقف قائلًا:
"سأخرج قليلًا، أمي."

"لا تتأخر، بني."

"لن أفعل."

غادر علي المنزل، وريحانة بداخله كانت لا تزال غارقة في أفكارها. بدأت ترى علي بطريقة مختلفة… لم يكن مجرد شخص هادئ وغامض، بل كان شخصًا يحب بصمت، يتألم بصمت، يعيش بصمت… لكن قلبه كان ينبض بشدة لكل من يهتم لأمره.

وللمرة الأولى، شعرت أنها قد تكون وجدت شخصًا يستحق أن تفهمه حقًا.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء
الجزء الخامس
عاد علي إلى غرفته بعد أن قضى بعض الوقت خارج المنزل. ألقى بجسده على سريره، وأخذ كتابًا من على الطاولة بجانبه، ثم فتحه وبدأ يقرأ. كان ذلك ملاذه الوحيد… عالم الكلمات حيث لا يوجد ضجيج، ولا أحكام، ولا حاجة لشرح نفسه لأحد.

لكنه هذه المرة لم يكن وحده.

ريحانة كانت هناك، تراقبه بصمت كعادتها، لكنها لم تعد تحتمل. كانت الأيام الماضية كافية لتجعلها تدرك أن هذا الإنسان ليس كغيره، وأنها لن تستطيع الاستمرار بمراقبته دون أن تكشف نفسها.

وفجأة، ظهر ضوء خافت في الغرفة.

رفع علي عينيه عن الكتاب، والتفت إلى مصدر الضوء. أمامه، وقفت فتاة لم يرَ مثلها من قبل. كانت بشعر أسود طويل ينسدل على كتفيها، وعينين بلون السماء عند الغروب، ترتدي ثوبًا حريريًا أسود يضفي عليها مظهرًا مهيبًا وغامضًا.

كانت ريحانة.

لم يبدُ على علي الذعر أو الخوف، بل فقط نظر إليها بهدوء، وكأن الأمر لم يكن غريبًا عليه. لم يتحرك، لم يتكلم، فقط حدّق فيها بانتباه عميق، وكأنه يحاول فك شيفرتها كما تفعل هي معه منذ أيام.

أخذت ريحانة نفسًا عميقًا، ثم قالت بصوت ناعم لكنه يحمل في طياته قوة دفينة:
"أخيرًا قررت أن أظهر لك. أظن أنك شعرت بوجودي، أليس كذلك؟"

وضع علي الكتاب جانبًا، وأسند ظهره إلى الحائط، ثم قال بهدوء:
"نعم… لكني لم أكن متأكدًا."

تقدمت خطوة إلى الأمام، ثم جلست على الكرسي المقابل له. نظرت إليه طويلًا، ثم قالت:
"أريد أن أخبرك قصتي، وعليك أن تستمع حتى النهاية."

لم يبدُ على علي أي اعتراض. أومأ برأسه بصمت، مشجعًا إياها على الاستمرار.

"أنا لست بشرية، علي. أنا جنية من مملكة في الربع الخالي، أكبر مملكة للجن في العالم. هناك، اندلعت حرب بين قبيلتي وقبيلة أخرى، حرب أحرقت الأخضر واليابس، وأودت بحياة الكثيرين."

توقفت قليلًا، كأنها تعيد استرجاع الذكريات، ثم أكملت:
"في النهاية، انتصرت قبيلة الحواسم، وقُتل والدي، شيخ عشيرتنا. كان هو السبب في اندلاع الحرب، ولهذا قرروا معاقبتي… لكنهم لم يريدوا قتلي، بل اختاروا لي مصيرًا آخر."

تنهدت، ثم نظرت في عينيه مباشرة:
"قرروا نفيي من المملكة، وحبسي في جسد إنسان… جسدك."

لم يظهر علي أي تعبير صدمة أو استغراب. فقط استمع إليها بهدوء، وكأنه يقرأ سطور رواية غامضة.

"أنا لم أختر جسدك عبثًا، علي."

مالت للأمام قليلًا، وعيناها تحدقان فيه بفضول:
"عندما نُفيت، سُمح لي باختيار الشخص الذي سيتم حبسي داخله. طلبت أن يكون ‘أسعد إنسان على وجه الأرض’. وعندما رأيتك، اعتقدت أنك هو… دائم الابتسام، هادئ، لا يبدو عليك الحزن أبدًا."

تراجعت للخلف، وابتسمت بسخرية:
"لكنني كنت مخطئة… أنت أبعد ما يكون عن السعادة."

أخيرًا، ابتسم علي ابتسامة خفيفة، ليست سخرية ولا استهزاء، بل ابتسامة تحمل شيئًا من التسلية. ثم قال بهدوء:
"أنتِ مخطئة بشأن شيء واحد، ريحانة."

ضيّقت عينيها قليلًا، متسائلة:
"ما هو؟"

نظر إليها نظرة عميقة، وقال بصوت منخفض:
"أنا لم أقل يومًا أنني سعيد."

شعرت ريحانة بقشعريرة تسري في جسدها، ليس بسبب كلماته، بل بسبب الهدوء الذي قالها به… وكأن الأمر كان واضحًا له منذ البداية، لكنه لم يجد ضرورة لشرحه لأحد.

في تلك اللحظة، أدركت شيئًا مهمًا…

علي ليس مجرد إنسان عادي، كما ظنت.

وهذا الاكتشاف جعلها ترغب في البقاء أكثر، لتعرف قصته كما عرف هو قصتها الآن.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء
الجزء السادس
كانت الليلة باردة، والهواء يحمل معه هدوءًا ثقيلًا. خرج علي من المكتبة بعد أن أنهى قراءة كتابه هناك، يسير في أحد الأزقة الضيقة، حيث الأضواء خافتة، والشارع شبه خالٍ. لم يكن يحب الأماكن المزدحمة، فكان يختار دائمًا الطرق الهادئة، حتى لو كانت معزولة.

ريحانة كانت تراقبه بقلق غريب، فقد بدأ لديها إحساس غامض بأن شيئًا ما على وشك الحدوث.

وفجأة، خرج من الزاوية ثلاثة شبان، وجوههم لم تكن مألوفة لعلي، لكن نظراتهم كانت واضحة… لم يبدوا ودودين على الإطلاق.

"أنت هو علي، صحيح؟" قال أحدهم، بصوت خشن يحمل سخرية مبطنة.

توقف علي في مكانه، ناظرًا إليهم بهدوء، دون أن يظهر خوفًا أو توترًا. كان يدرك أن تجاهلهم قد يكون الحل الأمثل، لكنه أيضًا كان يعلم أن بعض الأشخاص لا يقبلون التجاهل بسهولة.

"لديك عادة السير وحدك، أليس كذلك؟ هذا يجعلك… هدفًا سهلاً."

لم يرد علي. فقط تابع النظر إليهم، متوقعًا الخطوة التالية.

وبدون مقدمات، تقدم أحدهم بسرعة ولكمه في معدته بقوة، مما جعله ينحني قليلاً إلى الأمام، يتنفس بصعوبة.

"علي!" صرخت ريحانة داخل عقله، لكنها لم تستطع التدخل دون إذنه.

حاول علي أن يستعيد توازنه، لكنه لم يكن محاربًا، ولم يكن معتادًا على القتال. قبل أن يتمكن من الوقوف مستقيمًا، تلقى ضربة أخرى على كتفه، ثم دفعة جعلته يسقط على الأرض.

كانت الضربات تتوالى، وبالرغم من أنه كان يحاول حماية رأسه، إلا أن جسده لم يعد يطيعه. شعر أن وعيه بدأ يتلاشى، وأن الظلام بدأ يزحف إلى عينيه.

وهنا، جاء صوت ريحانة أكثر إلحاحًا هذه المرة.

"اسمح لي يا علي… فقط للحظة!"

كان يشعر بالوهن، لم يعد قادرًا على الحركة، كل شيء كان ينهار حوله. لم يكن أمامه خيار، لم يكن حتى قادرًا على التفكير.

"افعليها…"

وفي لحظة، شعر وكأنه قد انجرف بعيدًا، وكأن شخصًا آخر قد سحب زمام الأمور داخل جسده.

فتحت عيناه، لكن هذه المرة كان بداخله شيء مختلف… ريحانة كانت هناك، تقود جسده كما لم يفعل هو من قبل.

نهض بسرعة، رغم الألم، وكأن جسده لم يعد يشعر بالتعب. الشاب الذي كان يقترب منه تفاجأ عندما رآه يقف بهذه السهولة، وعندما حاول ضربه مجددًا، تفادى الضربة بخفة لم تكن لعلي.

ريحانة، بمهاراتها كجنية، كانت تتحكم في جسده بطريقة مختلفة، أكثر رشاقة، أكثر دقة.

"ماذا بحق…؟" قال أحد المعتدين، وهو يراقب تغير حركة علي المفاجئ.

لكن لم يكن لديهم وقت للتفكير، لأن ريحانة استغلت اللحظة، وتحركت بسرعة، دفعت أحدهم بقوة، جعلته يسقط أرضًا، ثم نظرت إلى الآخرين نظرة جعلت الخوف يتسلل إلى قلوبهم.

لم يكونوا يعلمون ما حدث، لكنهم شعروا أن الوضع لم يعد كما كان قبل دقائق. لم يكن هذا الفتى الصامت كما اعتقدوا.

"أظن أن هذا يكفي لليلة،" تمتم أحدهم، قبل أن يركض بعيدًا، ليتبعه الآخرون.

بقي علي – أو بالأحرى ريحانة داخله – واقفًا للحظات، يراقبهم يفرون، قبل أن تأخذ نفسًا عميقًا وتنسحب ببطء، تاركة له السيطرة من جديد.

شعر علي بجسده ينهار مرة أخرى، فسقط على ركبتيه، يتنفس ببطء، وهو يحاول استيعاب ما حدث.

"لقد ساعدتك، علي." جاء صوت ريحانة داخل عقله، لكن هذه المرة لم يكن يحمل غرورًا أو فخرًا… بل كان صوتًا هادئًا، كأنها تفكر معه في نفس الشيء.

علي لم يكن ضعيفًا… لكنه لم يكن معتادًا على القتال.

والآن، أدرك شيئًا مهمًا…

وجود ريحانة قد لا يكون عبئًا كما اعتقد في البداية.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء
الجزء السابع

بعد الليلة العاصفة التي اضطر فيها علي لإعطاء جسده لريحانة، لم يعد كل شيء كما كان. شعر وكأن هناك خطًا رفيعًا قد كُسر بينه وبينها، لم يعد الأمر مجرد جنية مسجونة داخله، بل أصبح هناك اتصال أعمق، شيء لم يفهمه بعد.

في الصباح، جلس علي أمام المرآة، يحدق في نفسه طويلًا. كانت آثار الضرب لا تزال واضحة، لكن هناك شيء آخر كان يشغل تفكيره أكثر من الألم الجسدي…

"هل أنتِ هنا؟" سأل بصوت خافت.

جاء ردها، لكنه كان مختلفًا هذه المرة، كان صوتها هادئًا، خافتًا، يحمل نغمة غير مألوفة: "ألم أكن دائمًا هنا؟"

زفر علي ببطء، وكأنه يستجمع شتات أفكاره. "لِمَ لم تهربي عندما أخذتِ جسدي؟"

ضحكت ريحانة، لكنها لم تكن ضحكة ساخرة كعادتها، بل كانت ضحكة حزينة بعض الشيء. "وهل كنت تعتقد أنني سأفعل؟"

لم يرد، لكنه شعر بشيء لم يكن يريد الاعتراف به… هو لم يكن خائفًا من فكرة أن تهرب، بل من فكرة أن تتركه فعلاً.

- - -

في الأيام التالية، تغير شيء غير مرئي بينهما.

ريحانة التي كانت تراقب علي طوال الوقت بدأت تلاحظ أشياء لم تكن تهتم بها من قبل. كيف يتعامل مع والدته بحنان لم تعهده في الرجال، كيف يساعد أخته بصمت دون أن يُظهر ذلك، كيف يقرأ الشعر كما لو كان يفهم كل كلمة، كما لو أن كل بيت يحمل جزءًا من روحه.

لكن ما حيرها أكثر، كيف يستطيع علي أن يخفي ألمه بهذا الشكل؟

- - -

في إحدى الليالي، وبينما كان علي يقرأ كتابًا، همست ريحانة فجأة: "لماذا تفعل ذلك؟"

رفع عينيه قليلاً. "ماذا؟"

"تبتسم… حتى وأنت تتألم."

أغلق علي الكتاب، وتركه جانبًا، ثم استلقى على سريره وحدق في السقف. أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يجيب: "لأنني لا أريد أن أكون عبئًا على أحد."

شعرت ريحانة بانقباض غريب في صدرها، رغم أنها لم تكن تمتلك جسدًا حقيقيًا. لِمَ شعرت وكأنها فهمت شيئًا كان مخفيًا داخل علي؟

تقدمت نحوه – أو بالأحرى، اقتربت من وعيه، لتهمس له بصوت بالكاد يُسمع: "لكنك تستطيع أن تكون عبئًا عليّ…"

تفاجأ علي بالكلمات، لكن قبل أن يتمكن من الرد، ساد الصمت من جديد… وكأن ريحانة نفسها لم تكن واثقة مما قالته.

لكن الحقيقة كانت واضحة لهما معًا…

هناك شيء غريب يحدث بينهما.

شيء لم يكن من المفترض أن يحدث.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء
الجزء الثامن

مرت الأيام، وأصبحت ريحانة أكثر تقبلًا لحياة علي، لكن الأمر لم يكن مجرد "تقبل"، بل شيئًا آخر كان ينمو بصمت، دون أن يدركه أي منهما.

كانت تراقبه في كل تفاصيل يومه، تراه ينهض مبكرًا ليساعد والدته، يسمع شكاوى أخته الصغيرة دون تذمر، يذهب إلى عمله، ثم يعود ليجلس في غرفته ليقرأ، وكأن الكتب هي عالمه الوحيد.

لكن ريحانة لم تعد مجرد "مشاهدة"، بل أصبحت "حاضرة". كانت تحاول فهمه، وأحيانًا، دون أن تشعر، كانت تشعر به.

- - -

ذات مساء…

كان علي يسير في أحد الأزقة عندما اعترضه مجموعة من الشباب، وجوههم مألوفة، كانوا ممن اعتادوا السخرية منه سابقًا.

قال أحدهم بابتسامة ساخرة: "سمعنا أنك صرت رجلاً أخيرًا، صرت تضرب من يعتدي عليك، أليس كذلك؟"

نظر إليهم علي بهدوء، لم يجب. كان يعرف أن الكلام معهم لا يفيد.

لكن أحدهم دفعه بقوة، فترنح للخلف، ثم قال الآخر: "ماذا؟ لن تدافع عن نفسك؟ ألم تتحول إلى شخص قوي؟"

في الداخل، كانت ريحانة تتابع، وشعرت بالغضب، ليس فقط من أجل علي، ولكن من أجل ذلك الصمت الذي يحيط به دائمًا، الصمت الذي يرفض أن ينكسر حتى عندما يُؤذى.

هم أحدهم برفع يده ليضربه، لكن فجأة، شعر علي بحرارة غريبة تجتاح جسده، حرارة لم يعهدها من قبل.

سمع صوتها داخله، لكنه لم يكن همسًا هذه المرة، بل كان أمرًا:

"دعني أساعدك."

أغمض عينيه، للحظة، تردد… لكنه شعر بها، لم تكن تطلب السيطرة، بل تطلب إذنه.

فتح عينيه، وتلاقت روحه مع روحها في لحظة غير مرئية، وكأنهما لأول مرة يفهمان بعضهما بصمت.

ثم، دون أن ينطق بكلمة، همس في داخله: "حسنًا."

وفي لحظة، تغير كل شيء.

- - -

بعد دقائق…

وجد علي نفسه واقفًا، بينما أولئك الشبان يتراجعون إلى الخلف بخوف، أحدهم سقط أرضًا، والآخر يحدق فيه بذهول.

شعر بجسده مختلفًا، كأنه أخف… أقوى… لكن قبل أن يحاول استيعاب ما حدث، سمع صوتها من داخله، لكن هذه المرة لم يكن أمرًا، بل كان شيئًا أقرب إلى… الدهشة.

"أنت لم تقاومني هذه المرة…"

لم يعرف كيف يجيبها، لكنه شعر بشيء لم يكن يشعر به من قبل… الراحة.

لأول مرة، لم يكن وحده.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء
الجزء التاسع

استيقظ علي على صوت طرق خفيف على الباب، ثم سمع صوت والدته:

"علي، استيقظ. سنخرج بعد قليل، هل ستأتي معنا؟"

كان لا يزال مستلقيًا، عيناه مثبتتان في السقف، عقله مشوش كعادته. لم يكن يميل إلى الخروج كثيرًا، لكنه لم يستطع أن يرفض والدته، خاصة عندما يكون صوتها هادئًا ومطمئنًا بهذا الشكل.

نهض من سريره، ارتدى ملابسه بسرعة، ثم خرج من غرفته ليجد أخته الصغيرة تجلس على الأريكة، تهز قدميها في حماس.

"وأخيرًا قررت أن تأتي!" قالت مبتسمة.

أجابها بابتسامة باهتة وهو يجلس بجانبها، بينما كانت والدته تحضر بعض الأوراق في غرفة المعيشة.

"إلى أين سنذهب؟" سأل أخيرًا.

"أريد شراء بعض الأشياء، وسنمر بالمشفى لتسليم هذه الأوراق." قالت والدته بينما تنظر إلى الساعة.

كان يومًا عاديًا، أو هكذا ظن.
في السيارة…

جلست والدته خلف المقود، وأخته الصغيرة إلى جانبها، بينما جلس علي في الخلف، مسندًا رأسه إلى النافذة، يراقب الشوارع بصمت.

"لماذا تبدو شارد الذهن؟" جاء صوت ريحانة في رأسه، كما اعتاد سماعه دائمًا.

لم يرد عليها مباشرة، لكنه زفر بهدوء.

"لا شيء."

"كاذب."

لم يستطع منع نفسه من التبسم قليلًا، لكن سرعان ما عاد إلى صمته. كانت ريحانة قد أصبحت جزءًا من حياته، رغم كل شيء. لم يكن يحب الاعتراف بذلك، لكنه لم يعد يشعر بالوحدة كما في السابق.

في المقعد الأمامي، كانت أخته الصغيرة تتحدث بحماس عن شيء ما، عن صديقاتها في المدرسة، عن فيلم شاهدته، وعن كيف أن علي "ممل كالعادة".

والدته كانت تستمع لها وتضحك، لكن علي بالكاد كان يسمع، كان مشغولًا بالتفكير.

لم يكن يدري أن هذه ستكون آخر محادثة بينهما.

كانت الإشارة خضراء، وتحركت السيارة للأمام.

ثم…

صوت صراخ…

نور قوي…

صفير حاد في أذنيه…

في اللحظة التالية، كان كل شيء يتحرك ببطء شديد، وكأن الزمن تباطأ أمامه.

شاحنة ضخمة… تسير بسرعة جنونية… قادمة من الجانب.

علي رأى المشهد بوضوح. أدرك أنهم لن يستطيعوا تفاديها.

والدته انتبهت في اللحظة الأخيرة، حدقت بالشاحنة القادمة، عيناها توسعتا، يدها قبضت على المقود بعنف، بينما صرخت أخته الصغيرة بجانبها.

ثم…

كل شيء تحول إلى ظلام.

شعر علي بنفسه يسقط بقوة على الأرض.

فتح عينيه فجأة، كان جسده يرتجف، أنفاسه متقطعة. كان في مكان مختلف. لم يكن في السيارة.

كان… على بعد أمتار منها.

رفع رأسه ببطء، وعيناه اتسعتا مع استيعابه لما حدث.

السيارة… محطمة بالكامل.

كانت ملتوية، الزجاج متناثر في كل مكان، الدخان يتصاعد منها، والأبواب محطمة.

ثم رأى جسدي والدته وأخته داخلها.

لم يتحركا.

لم يتنفسا.

كان يجب أن يكون معهما.

لكنه لم يكن.

"أنا آسفة."
سمع صوتها في رأسه.

كان صوتها مختلفًا هذه المرة، لم يكن ساخرًا، لم يكن مستفزًا.

بل كان مكسورًا.

شعر بأنفاسه تتسارع، بالكاد يستطيع الوقوف، بالكاد يستطيع فهم ما حدث.

"ريحانة… ماذا فعلتِ؟"

"أنا… أنا أنقذتك…"

علي لم يستطع الرد. لم يكن هناك أي رد يمكنه أن يقوله.

والدته… أخته…

لم ينجُ أحد غيره.

لأنه لم يكن في السيارة.

لأن ريحانة أخذت جسده دون إذنه… وأبعدته عن الموت.

لكنه الآن… بقي وحده.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء
الجزء العاشر

جلس علي على المقعد خارج المستشفى، جسده ساكن، عيناه فارغتان، بينما أنامله تمسك بقوة بحواف ثوبه. لم يشعر بشيء… لم يسمع شيئًا. كل شيء من حوله بدا وكأنه ضوضاء مشوشة، أصوات بعيدة لا تعنيه.

الطبيب خرج قبل دقائق، أخبره بما كان يعرفه بالفعل.

"لقد فعلنا ما بوسعنا… أنا آسف."

لا حاجة للاعتذار. لا فائدة من الكلمات.

والدته… أخته… رحلتا.

ريحانة كانت تراقب…

في داخله، كانت ريحانة صامتة كما لم تكن من قبل.

لم تعرف ما الذي عليها أن تقوله… لأول مرة في حياتها الطويلة، شعرت بالعجز أمام شخص بشري.

لقد أنقذته… لكنها قتلت شيئًا آخر فيه.

حاولت أن تتحدث، لكن الكلمات علقت في حلقها.

وأخيرًا، سمعها علي، بصوت ضعيف لم يعتده منها:

"أنا… أنا آسفة."

لم يرد.

لم يكن هناك شيء ليُقال.

الليلة الأولى بعد الحادث…

عاد علي إلى المنزل وحيدًا.

فتح الباب ببطء، وعيناه تجولتا في المكان… كان كل شيء كما تركوه صباحًا.

الطاولة التي جلست أخته عندها، الكرسي الذي كانت والدته تجلس عليه دائمًا… الملابس التي لم تُطوَ بعد، كوب القهوة الذي لم تُنهه أمه قبل خروجها.

شعر أن العالم أصبح ثقيلًا فوق كتفيه.

تقدم ببطء إلى غرفة المعيشة، جلس على الأرض، وانحنى للأمام، ممسكًا رأسه بيديه.

ريحانة لا تزال تراقب، تشعر بالذنب يلتهمها، لكنها لم تكن تعرف كيف تواسيه.

"علي…" همست باسمه، لكنه لم يرد.

مرت دقائق… ثم ساعة… ثم ليل كامل، وعلي لم يتحرك من مكانه.

اليوم التالي…

استيقظ على صوت طرق على الباب.

كان الجيران، الأقارب، المعارف… جاءوا ليقدموا التعازي، لكن علي لم يكن يسمع شيئًا مما قالوه.

ابتسامات حزينة، كلمات مكررة، لمسات على كتفه، كلها بلا معنى.

كان العالم حوله ضجيجًا فارغًا.

وعندما رحل الجميع… بقي وحده مجددًا.

"لماذا أنقذتني؟"

مر يومان، وعلي لم ينطق بكلمة. لم يأكل، لم يخرج، لم يفعل شيئًا سوى الجلوس والنظر في الفراغ.

لكن فجأة، في تلك الليلة، سمع صوت ريحانة داخل عقله، وكان هذه المرة مختلفًا.

"أنت غاضب مني."

لم يكن سؤالًا، بل حقيقة.

علي لم يرد، فقط أغلق عينيه، شعر بها تتحرك داخله بقلق، ثم قال بصوت منخفض، بالكاد يُسمع:

"لماذا أنقذتني؟"

تجمدت ريحانة في مكانها، لم تكن تتوقع منه أن يسأل. لكنها أجابت بصراحة، رغم أن الكلمات خرجت بصعوبة:

"لأنني لم أستطع رؤيتك تموت."

فتح علي عينيه ببطء، لكن لم يكن فيهما أي تعبير.

"كان يجب أن أموت معهم."

ريحانة شعرت بشيء يكسرها…

لم تفكر في الأمر من هذه الزاوية، لم تدرك أنها حين اختارته لينجو، جعلته يعيش كابوسًا أسوأ من الموت.

ماذا لو أنها فقط… تركته؟

لكنه الآن هنا، يتنفس، يتحرك، لكنه ليس حيًا حقًا.

في تلك الليلة، عندما نام علي أخيرًا بعد أيام من الأرق…

جلست ريحانة داخله، تراقبه بصمت.

لأول مرة منذ دخولها حياته، لم تكن متأكدة إن كان إنقاذه هو القرار الصحيح.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء
الحادي عشر

مرت الأيام ثقيلة، تحمل في طياتها الصمت والوحدة. كان المنزل الذي كان يعج بأصوات والدته وضحكات أخته قد تحول إلى مكان بارد، بلا روح. كل شيء فيه يذكره بما فقده، كل زاوية تحمل ذكرى، وكل ركن يحمل شبحًا من الماضي.

الليلة الأولى وحده…

جلس علي على الأرض في غرفة المعيشة، محاطًا بالأشياء التي لم يعد لها صاحب. نظر إلى كوب القهوة الذي كانت أمه تحتسيه كل صباح، وإلى كتاب أخته الذي تركته مفتوحًا قبل أن تخرج في ذلك اليوم المشؤوم.

شعر بشيء يخنقه، لكنه لم يبكِ.

حتى البكاء لم يعد متاحًا له.

ريحانة تراقب بصمت…

منذ الحادث، لم تتحدث كثيرًا. لم تكن تعرف ماذا تقول.

كانت تعتقد أنها أنقذته، لكنها بدأت تدرك أنها فقط تركته يواجه ألمًا لم يكن عليه تحمله وحده.

"علي…" همست باسمه، لكن لم يرد.

"هل أنت غاضب مني؟"

ظل صامتًا.

"لو كنت أستطيع إعادة الزمن، كنت سأتركك هناك؟"

رفع رأسه ببطء، نظر للأمام دون أن يجيب، لكن ملامحه كانت تحمل شيئًا مختلفًا هذه المرة.


في اليوم الثالث، خرج أخيرًا من المنزل.

وقف أمام قبري والدته وأخته، ينظر إليهما بصمت. لم يحمل زهورًا، لم يقل أي دعاء، فقط وقف هناك، متجمدًا في مكانه.

ريحانة كانت ترى المشهد من خلاله، تشعر بثقله على قلبه، لكنها لم تجرؤ على قول شيء.

لكن فجأة، جاء صوت علي، خافتًا، لكنه كان واضحًا تمامًا:

"ماذا أفعل الآن؟"

لم يكن يسألها مباشرة، لكنه كان يسأل نفسه، يسأل القدر، يسأل الموت الذي أخذ منه كل شيء وتركه وحيدًا.


عندما عاد إلى المنزل تلك الليلة، جلس على سريره، شعره مبعثر، عيناه مجهدتان، لكن داخله كان هناك شيء مختلف.

ريحانة أدركت ذلك، فسألته:

"ماذا ستفعل؟"

ظل صامتًا للحظات، ثم قال بصوت هادئ، لكنه ثابت:

"سأعيش."

ريحانة اتسعت عيناها قليلًا، لم تتوقع جوابه، لكنه أكمل:

"لن أموت، لكني لن أعيش كما كنت من قبل."

ثم نظر إلى السقف، وقال بهدوء:

"لقد فقدت كل شيء… والآن، سأبحث عن سبب جديد للحياة."

ريحانة لم تكن تعرف ما الذي يعنيه بهذا، لكن شيئًا ما أخبرها أن هذا لم يكن مجرد كلام… بل كان بداية شيء جديد.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء
الثاني عشر

كان الليل هادئًا، والسماء مرصعة بالنجوم، لكن داخل علي، لم يكن هناك هدوء على الإطلاق. جلس على الشرفة كما اعتاد، ينظر إلى الأفق البعيد، يحاول ترتيب أفكاره التي بدأت تخرج عن سيطرته. منذ الحادث، ومنذ أن بقي مع ريحانة وحدها، بدأ يشعر بشيء لم يفهمه تمامًا… شيء يجعله يرتاح لوجودها، يبحث عنها دون أن يدري، يتحدث معها كما لو كانت جزءًا طبيعيًا من حياته.

لكن… هل كان ذلك مجرد تعود؟ أم أنه كان شيئًا آخر؟

ريحانة تراقبه بصمت…

ريحانة، التي قضت سنوات طويلة بين البشر، لم تشعر من قبل بهذا النوع من القلق. كان من السهل عليها أن تفهم مشاعر الآخرين، أن تقرأ أفكارهم، لكنها مع علي، كان الأمر مختلفًا. لم تكن بحاجة إلى قراءة أفكاره، فقد كانت تشعر به بوضوح.

كانت تعلم أن هناك شيئًا يدور في عقله، شيئًا يحاول إنكاره، لكنه في نفس الوقت لا يستطيع تجاهله.

"علي، بماذا تفكر؟"

كان صوتها هادئًا، لكنه حمل في طياته فضولًا حقيقيًا.

أغمض عينيه للحظة، ثم زفر ببطء وقال:

"أفكر بكِ."

ريحانة لم تتوقع هذه الإجابة. كانت تنتظر أن يقول أي شيء آخر، لكن أن يكون الموضوع عنها… هذا جعلها تشعر بشيء غريب داخلها.

"بي أنا؟" سألته بدهشة.

"نعم…" قال وهو ينظر إلى السماء. "منذ أن دخلتِ حياتي، تغير كل شيء. لم أعد ذلك الشخص الذي كنت عليه، لم أعد وحيدًا، ولم أعد أشعر أن الحياة بلا معنى… لكنني في نفس الوقت، لا أفهم ما الذي يحدث لي."

ريحانة شعرت أن قلبها – إن كان لها قلب – ينبض بطريقة لم تعهدها من قبل.

"هل هذا شيء سيئ؟" سألته بلطف.

نظر إليها أخيرًا، رغم أنها لم تكن مرئية كما يراها البشر، لكنه كان يشعر بها كما لو كانت أمامه تمامًا.

"لا، ليس سيئًا… لكنه مخيف."

لحظة المواجهة…

ظل الصمت يسيطر عليهما لعدة لحظات، قبل أن تقول ريحانة:

"علي… أريد أن أسألك شيئًا، لكن أريدك أن تجيب بصدق."

أومأ برأسه دون تردد.

"إذا اختفيتُ يومًا ما… هل ستفتقدني؟"

شعر بقلبه ينقبض فورًا. لم يكن قد فكر في ذلك من قبل، لكنه أدرك أن مجرد تخيل الأمر كان مؤلمًا.

"نعم." قالها دون تردد. "سأفتقدكِ كثيرًا."

ريحانة شعرت بشيء دافئ يسري في داخلها. لم تكن هذه مجرد كلمات، لقد شعرت بصدقه في كل حرف قاله.

"وأنتِ؟" سألها بصوت هادئ لكنه يحمل شيئًا من الترقب.

ريحانة لم تهرب من السؤال، لم تحاول المراوغة كما تفعل دائمًا. هذه المرة، قررت أن تواجه الحقيقة.

"أنا أيضًا، علي…" همست بصوت خافت. "أنا أيضًا أحبك."

مرّت لحظة صمت، قبل أن يرى علي ابتسامة صغيرة على شفتيها، كانت مختلفة عن أي مرة سابقة. لم تكن سخرية، لم تكن مزاحًا، كانت ابتسامة صادقة… دافئة.

"إذن…" قال وهو يبتسم بدوره، "نحن الاثنان غارقان في الأمر نفسه."

ريحانة ضحكت بخفة، ثم قالت:

"يبدو أننا كذلك."

وفي تلك اللحظة، عرف كلاهما أن حياتهما لن تعود كما كانت أبدًا.

لأن الحب الذي وُلد بينهما، لم يكن مجرد حب عادي… بل كان حبًا يتجاوز العوالم، حبًا بين جنية لم تعد جنية ، وإنسيٍّ لم يعد مجرد إنسان عادي.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء
الثالث عشر

كانت الحياة قد بدأت تعود إلى طبيعتها – أو ما يشبهها – بالنسبة لعلي. لكنه لم يكن يعلم أن الأيام القادمة ستحمل له تحديًا جديدًا… ريحانة، لأول مرة في حياتها الطويلة، كانت تشعر بشيء لم تجربه من قبل…


في إحدى الأمسيات، كان علي يتجول في سوق الكتب المعتاد، يبحث عن رواية جديدة ليقرأها. اقتربت منه بائعة شابة مبتسمة، وقالت بلطف:

"أهلًا بك مجددًا، علي! لم نرك منذ فترة، هل تبحث عن شيء مميز اليوم؟"

ابتسم علي وقال: "نعم، أريد كتابًا عن الفلسفة."

وقبل أن تكمل البائعة حديثها، شعر بوخزة غريبة في رأسه، وصوت ريحانة يعلو في ذهنه بغضب طفولي:

"من هذه؟ ولماذا تبتسم هكذا؟!"

حاول علي أن يتجاهلها، لكنه شعر بنسمة هواء باردة حوله، وكأن ريحانة تحاول فرض وجودها.

"إنها مجرد بائعة كتب، ريحانة، لا داعي للدراما." همس في داخله.

لكن ريحانة لم تكن مقتنعة، وفجأة، اهتز أحد رفوف الكتب قليلاً، مما جعل البائعة تقفز بفزع وتقول:

"آه! هل شعرت بذلك؟ كأن هناك تيار هواء غريب مر من هنا!"

ابتسم علي بمكر وهمس في داخله: "ريحانة، توقفي عن التصرف كالأشباح الغاضبة."

لكنها ردت بمرح ساخر: "أنا حرفيًا جنيّة، هل كنت تتوقع مني أن أكون ملاكًا؟"


في اليوم التالي، كان علي في الجامعة، جالسًا في قاعة المحاضرات عندما اقتربت منه إحدى زميلاته وقالت بابتسامة لطيفة:

"علي، هل يمكنك مساعدتي في حل هذا السؤال؟ يبدو أنك تفهمه جيدًا."

قبل أن يرد، سمع صوت ريحانة يصيح في رأسه:

"هاااه؟! ولماذا لا تسأل الأستاذ؟ لماذا تأتي إليك أنت تحديدًا؟!"

حاول علي أن يتجاهلها، لكنه شعر فجأة بقلمه يسقط من يده دون سبب واضح، ثم بدأت الأوراق التي كانت على الطاولة تتحرك قليلاً.

الفتاة نظرت حولها بقلق وقالت: "هل… هل تشعر بأن هناك ريحًا غريبة في القاعة؟"

أمسك علي برأسه وهمس غاضبًا في داخله: "ريحانة، كفى! أنتِ تفضحينني!"

لكن ريحانة كانت تضحك في داخله بسعادة طفولية، وكأنها وجدت هواية جديدة لإزعاجه.

، كان علي يجلس في المقهى، يكتب بعض الملاحظات في دفتره، عندما لاحظ أن النادلة وضعت له القهوة بلطف زائد عن الحد.

"تفضل، سيد علي، أتمنى أن تعجبك القهوة اليوم!" قالت وهي تبتسم.

قبل أن يرد، سمع ضحكة شريرة في رأسه، ثم فجأة، سكب علي القهوة على الطاولة دون أن يفهم كيف حدث ذلك!

قفز بسرعة وقال: "آه! لقد تحرك الكوب لوحده!"

النادلة نظرت إليه باستغراب، بينما ريحانة تضحك بجنون في داخله:

"أوه، آسفة! يبدو أن الطاولة لم تحب ابتسامتها لك!"


في الليل، عاد علي إلى منزله وهو يشعر بالإرهاق من "هجمات الغيرة" التي شنتها عليه ريحانة طوال اليوم. جلس على سريره وقال بصوت واضح:

"ريحانة، تعالي هنا."

ظهرت أمامه أخيرًا، عاقدة ذراعيها، وتنظر إليه بنظرة متعجرفة.

"نعم؟ هل كنت تشتاق إلي؟"

أخذ نفسًا عميقًا وقال:

"أريد أن أفهم… هل أنتِ غاضبة أم أنكِ تحاولين قتلي اجتماعيًا؟"

قهقهت ريحانة وقالت: "أنا فقط… لا أحب أن يقترب منك أحد بهذه الطريقة! هل هذا خطأ؟"

نظر إليها للحظة، ثم ابتسم وقال بلطف:

"ريحانة… أنتِ غيورة."

احمر وجهها قليلًا، ثم أدارت وجهها وقالت بارتباك: "أنا؟ غيورة؟ مستحيل! أنا فقط… أحمي ممتلكاتي!"

رفع علي حاجبه وقال بمكر: "ممتلكاتك؟ هل أصبحتُ ملكًا لكِ الآن؟"

تجمدت ريحانة للحظة، ثم صاحت بغضب مصطنع: "اخرس! لا تحاول التلاعب بي!"

ضحك علي أخيرًا وقال: "أوه، أنا لا أحتاج إلى التلاعب بكِ، يا ريحانة… لأن الحقيقة واضحة تمامًا!"

وبينما كان يضحك، شعرت ريحانة بأنها وقعت في الفخ… لكنها لم تكن تمانع ذلك.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء
الجزء الرابع عشر والاخير

كان الوقت قد حان…

بعد كل ما مرا به معًا، أدرك علي أن ريحانة لن تكون حرة أبدًا ما دامت روحها لا تزال مختومة داخل جسده. لم يكن يريد أن يخسرها، لكنه لم يكن ليسمح لها بالبقاء سجينة إلى الأبد.

وهكذا، وقف في منتصف الصحراء، في المكان الذي بدأ فيه كل شيء، بانتظار البوابة التي ستنقلهما إلى مملكة الجن.

لم تكن رحلة سهلة، فبمجرد وصولهما إلى المملكة، تجمّع الجن حولهما، يحدّقون بريحانة بعيون مليئة بالحقد والدهشة. لم ينسَ أحد أنها ابنة الرجل الذي أشعل الحرب، ولم ينسَ أحد أن عقابها لم يكن سوى النفي.

لكن علي لم يكن يبالي بنظراتهم، كان يعرف ما جاء من أجله.

دخل إلى قاعة العرش، حيث جلس شيخ قبيلة الحواسم، رجل مسنّ ذو عيون متوهجة، ينظر إليهما بصمت.

"ما الذي جاء بك إلى هنا، أيها البشري؟" قال الشيخ بصوت خشن.

أخذ علي نفسًا عميقًا، ثم أجاب بثقة: "جئت لأطلب فك ختم ريحانة."

ساد الصمت للحظات… ثم انطلقت ضحكات الجن من كل زاوية، وكأن ما قاله مجرد نكتة.

"تطلب منا تحريرها هكذا ببساطة؟ هذه ليست لعبة، أيها الفتى!"

لكن علي لم يتراجع، نظر مباشرة إلى الشيخ وقال: "أنا مستعد لدفع ثمن ذلك."

نظر إليه الشيخ بعينين ضيقتين، ثم قال: "وأي ثمن يمكن أن يدفعه بشر مثلُك؟"

تقدمت ريحانة بسرعة، وقفت أمام علي وقالت بحزم: "لا، لا تفعل أي شيء، لا أريد حريتي بثمن حياتك!"

لكن علي تجاهلها، وظل عازمًا على طلبه.

"سأقدم روحي كضمان…" قال بهدوء، ثم أكمل: "في حال عادت ريحانة إلى مملكة الجن، فليكن دمي هو الثمن."

ساد الصمت مجددًا، لكن هذه المرة لم يضحك أحد.

حتى شيخ القبيلة بدا متفاجئًا، ثم قال: "أنت تدرك ما يعنيه ذلك؟ لن يكون هناك رجوع… إذا عبرتِ إلى مملكتنا، سيموت هذا الإنسان على الفور."

أومأ علي برأسه. "أنا أدرك ذلك."


لم يكن أمام الشيخ خيار سوى قبول العقد، وفي لحظة، رُسمت رموز سحرية على الأرض، وبدأ الدم ينساب من كف علي بينما يضع ختمه النهائي على العهد.

"من هذه اللحظة، ريحانة محررة من ختمها، ولكن إن عادت إلى مملكة الجن، فسيكون موتك هو الثمن."

ريحانة شعرت بقوة غريبة تتدفق داخلها، شعرت بأنها أصبحت… حرة.

لكنها لم تكن سعيدة. كانت تعلم أن هذا يعني أنها لن ترى موطنها أبدًا، لكنها أدركت أن موطنها الحقيقي لم يعد هنا… لقد أصبح مع علي.

نظرت إليه والدموع في عينيها، ثم قالت بصوت مرتجف:

"هل كنتَ مجنونًا بما يكفي للمخاطرة بحياتك من أجلي؟"

ابتسم علي وقال بهدوء: "الحب يجعلك تفعل أشياءً مجنونة."

ثم أمسك يدها بلطف وقال: "لنذهب إلى حيث ننتمي… إلى عالمنا."

مرت السنوات سريعًا، وكانت حياتهما مليئة بالمغامرات والضحك والحب. لم يكن علي مجرد إنسان عادي بعد الآن، فقد أصبح أكثر من ذلك… أصبح جزءًا من عالم لم يكن ينتمي إليه في الأصل، لكنه اختاره بكامل إرادته.

وفي أحد الأيام، جلس علي على الشرفة، يراقب غروب الشمس، بينما اقتربت منه ريحانة وهي تحمل بين ذراعيها طفلة صغيرة… ابنتهما.

"ماذا سنسميها؟" سألته بلطف.

نظر علي إلى الطفلة، ثم ابتسم وقال: "نسميها… نَسيم."

ريحانة ضحكت وقالت: "لماذا نسيم؟"

أجاب علي وهو ينظر إلى ابنته بحنان: "لأنها النسيم الذي هبّ في حياتي وغيّر كل شيء."

وهكذا، بدأت قصة جديدة… ليست قصة فتى صامت، ولا جنيّة منفية، بل قصة عائلة خُلقت من حب تحدى العوالم.
 
Comment

Nobody

لا احد
إنضم
28 سبتمبر 2024
المشاركات
8,493
مستوى التفاعل
924
الإقامة
جندي
مجموع اﻻوسمة
3
الفتى الصامت جميع الاجزاء
لا تحرمونا من آرائكم
 
Comment

sitemap      sitemap

أعلى