تواصل معنا
  • بادئ الموضوع نورهان الشاعر
  • تاريخ البدء

إقتباس... ....... لا أزال أذکر ذلک الیوم الذي وشم قلبي بوشم من نار لم يخبو شرره أبدا حتى ما ترك من قلبي العاشق إلا رمادا تدروه الرياح ، ذلك اليوم، الذی...

الزهراء المعطاوي

🌹
نجوم المنتدي
إنضم
11 مارس 2023
المشاركات
722
مستوى التفاعل
261
الإقامة
بلاد الأطلس و أسوده، والسحر بجماله و رِقّته
مجموع اﻻوسمة
1
جمرة العشق.... نورهان الشاعر
إقتباس...
مشاهدة المرفق 64887
....... لا أزال أذکر ذلک الیوم الذي وشم قلبي بوشم من نار لم يخبو شرره أبدا حتى ما ترك من قلبي العاشق إلا رمادا تدروه الرياح ، ذلك اليوم، الذی کان من المفرروض أن یکون یوم سعادتي، بعد السنین التي إنتظرت عودتک فیها من الغربة وأنا أعد الدقائق و الساعات شوقا إلى لقاء موعود.

و ها أنت تأتي الیوم وأنت ممسک بیدها، و البسمة تعلو محیاک، تلک البسمة التی کانت ملکا لي أنا وحدي، ها أنا أرها الأن بعدما قتلني الشوق لها ،لکنها لم تعد لي، إنها لأخرى لا أعرفها ،کیف هان علیک نسیانی بهذه السهولة یا معذبي ؟کیف؟! ألم تعدني قبل ذهابک لإتمام دراستک بالخارج أنک لن تترکنی مهما حصل؟ وعدتني أنک ستعود وهأنت ذا قد عدت لکن لست وحدک، فلم تعد لي کیفِما وعدت لطلما وفیت بوعودک فکیف لک أن تخلف أهم وعد بحیاتک؟!
كنت ممسكا بيد الحسناء مشبكا أصابعها بأصابعك. تلك الحسناء التي لم تختر إلا طقما شديد الأناقة، يماثل فستاني بياضا و كأنها تقتلني بسرق الأضواء مني في أهم يوم في حياتي، كما سرقتك أنت مني قبل ذلك، أنا التي إخترت ليومي المميز هذا فستانا أبيضا رقيقا و قد تأنقت لأجلك أنت لا من أجل معرضي، فلطالما أحببت انت اللون الأبيض و أخبرتني أنه لون الصفاء و الوضوح، فكيف بالله لك تحب صفات لون هي عكس صفاتك تماما! أنت شديد الغموض دوما ضبابي الروح؟! بألم قاتل لمحت خاتم الزواج اللامع يحيط بإصبعها الرقيق، ذلك الخاتم المبهر الذي يدل على الترف و البذخ، كما أبصرت في بنصر يدك اليسرى خاتم الزواج!
و أنا بكل غباء ألف رقبتي بالعقد الرخيص الذي إشريته لي يوما، بينما تركت كل مجوهراتي الغالية....

موعدنا كل إثنين بإذن الله

مشاهدة المرفق 63828


ملكة الإحساس، سامية القلب نورهان..
الف الف الف مبارك. لك ابنتك الجديدة "جمرة العشق" تبارك الله مقدمة تلعب الحس و تجذبه الي قعر الاستمتاع فلا يبغي انتهاءََ له..
حجزت مقعدي.. وسأكون متابعة بإذن الله ❤️❤️❤️
 
Comment

مـــداح القمر

نــزاري الحــرف
إنضم
27 مارس 2022
المشاركات
7,319
مستوى التفاعل
14,746
الإقامة
أم الدنيا
مجموع اﻻوسمة
7
جمرة العشق.... نورهان الشاعر
في تلك الزاويا
وعبر مساحات من الوجع
هُناك هذا الصمت القابع خلف حنجرة الكلام
ينتفض ثائراً ...ينفجر بُركان
يحاول أن ينفض غُبار الذكري
بـ صمت يتبعة صمت
فـ ملئ المكان بصدي ...الصوت
ببعض حنين وخذلان وكومة من الأحزان
ليترك لنا بعض من الحكايات المُختبئة
خلف ستائر النور
وها نحنُ في الإنتظار
لـ تُفيضِ على السطور بـ عزف ...جميل

الأديبه المتألقه

نورهان


هنيئاً لنا هذا الجمال
المتناثر عبر الحكايات
طاب النبض والفكر
وبالتوفيق مع أرق الأمنيات
 
Comment

نورهان الشاعر

عضوة
نجوم المنتدي
إنضم
10 مارس 2023
المشاركات
1,079
مستوى التفاعل
720
مجموع اﻻوسمة
2
جمرة العشق.... نورهان الشاعر
ملكة الإحساس، سامية القلب نورهان..
الف الف الف مبارك. لك ابنتك الجديدة "جمرة العشق" تبارك الله مقدمة تلعب الحس و تجذبه الي قعر الاستمتاع فلا يبغي انتهاءََ له..
حجزت مقعدي.. وسأكون متابعة بإذن الله ❤️❤️❤️


فاتي الغالية صديقتي الحبيبة و أختي الرائعة... لست لأظهر أمام روعتك و جمالك
لكن كم سيسرني حقا أن أنعم بوجودك الجميل حبيبتي... فهو يعني لي الكثير...
أنت حبيبتي سيدة الإمتاع و الجمال...

فرحتي كبيرة جدا بكلامك...
 
Comment

نورهان الشاعر

عضوة
نجوم المنتدي
إنضم
10 مارس 2023
المشاركات
1,079
مستوى التفاعل
720
مجموع اﻻوسمة
2
جمرة العشق.... نورهان الشاعر
في تلك الزاويا
وعبر مساحات من الوجع
هُناك هذا الصمت القابع خلف حنجرة الكلام
ينتفض ثائراً ...ينفجر بُركان
يحاول أن ينفض غُبار الذكري
بـ صمت يتبعة صمت
فـ ملئ المكان بصدي ...الصوت
ببعض حنين وخذلان وكومة من الأحزان
ليترك لنا بعض من الحكايات المُختبئة
خلف ستائر النور
وها نحنُ في الإنتظار
لـ تُفيضِ على السطور بـ عزف ...جميل

الأديبه المتألقه

نورهان


هنيئاً لنا هذا الجمال
المتناثر عبر الحكايات
طاب النبض والفكر
وبالتوفيق مع أرق الأمنيات


سيدي الفضيل مداح....
كم سرني أن تتزين كتاباتي بجمال ما خطته أناملك... و قد ملأت المكان بعزفك الفريد الذي يجتاح ثنايا الروح و يسكنها...
جميل كلامك يا عازف الحرف...
فلعل المشاعر تصلكم سلسة دون ثقل الألفاظ...
هنيئا لي بمتابعتكم الفخمة...
كل ودي
 
Comment

نبض الحياة

✨💞Heba emade
إنضم
21 مايو 2021
المشاركات
17,247
مستوى التفاعل
10,508
مجموع اﻻوسمة
6
جمرة العشق.... نورهان الشاعر
إقتباس...
مشاهدة المرفق 64887
....... لا أزال أذکر ذلک الیوم الذي وشم قلبي بوشم من نار لم يخبو شرره أبدا حتى ما ترك من قلبي العاشق إلا رمادا تدروه الرياح ، ذلك اليوم، الذی کان من المفرروض أن یکون یوم سعادتي، بعد السنین التي إنتظرت عودتک فیها من الغربة وأنا أعد الدقائق و الساعات شوقا إلى لقاء موعود.

و ها أنت تأتي الیوم وأنت ممسک بیدها، و البسمة تعلو محیاک، تلک البسمة التی کانت ملکا لي أنا وحدي، ها أنا أرها الأن بعدما قتلني الشوق لها ،لکنها لم تعد لي، إنها لأخرى لا أعرفها ،کیف هان علیک نسیانی بهذه السهولة یا معذبي ؟کیف؟! ألم تعدني قبل ذهابک لإتمام دراستک بالخارج أنک لن تترکنی مهما حصل؟ وعدتني أنک ستعود وهأنت ذا قد عدت لکن لست وحدک، فلم تعد لي کیفِما وعدت لطلما وفیت بوعودک فکیف لک أن تخلف أهم وعد بحیاتک؟!
كنت ممسكا بيد الحسناء مشبكا أصابعها بأصابعك. تلك الحسناء التي لم تختر إلا طقما شديد الأناقة، يماثل فستاني بياضا و كأنها تقتلني بسرق الأضواء مني في أهم يوم في حياتي، كما سرقتك أنت مني قبل ذلك، أنا التي إخترت ليومي المميز هذا فستانا أبيضا رقيقا و قد تأنقت لأجلك أنت لا من أجل معرضي، فلطالما أحببت انت اللون الأبيض و أخبرتني أنه لون الصفاء و الوضوح، فكيف بالله لك تحب صفات لون هي عكس صفاتك تماما! أنت شديد الغموض دوما ضبابي الروح؟! بألم قاتل لمحت خاتم الزواج اللامع يحيط بإصبعها الرقيق، ذلك الخاتم المبهر الذي يدل على الترف و البذخ، كما أبصرت في بنصر يدك اليسرى خاتم الزواج!
و أنا بكل غباء ألف رقبتي بالعقد الرخيص الذي إشريته لي يوما، بينما تركت كل مجوهراتي الغالية....

موعدنا كل إثنين بإذن الله

مشاهدة المرفق 63828


مساء الأنوار علي القمر

بداية رائع إقتباس مشوق
متحمسة جدا لأعرف أحداث و تفاصيل
الرواية و متأكدة أنها ستكون غاية
في الجمال و الروعة مع قليل من
الإثارة و التشويق الذي سيزيد من متعة
القراءة و جمال الرواية
متابعة إلك جميلتى
لقلبك سعادة لا تنتهي 🌹🌹🌹
 
Comment

نبض الحياة

✨💞Heba emade
إنضم
21 مايو 2021
المشاركات
17,247
مستوى التفاعل
10,508
مجموع اﻻوسمة
6
جمرة العشق.... نورهان الشاعر
سرد أكثر من جعلني أبحر مع روايتك و بطلتنا
لأعيش معها جميع المشاعر
و ماذا بعد هل ستضعف بطلتنا
و تستمع إلي من خذلها و جعلها تعيش أسوأ شعور
و لكن مع كل الحب الذي تكنه له لن تتخطاه أبدا
و ما سبب الذي اجبر بطلنا علي الزواج
ليكون بكل هذا الندم
بإنتظار باقي الأحداث بكل شوق
يا جميلتي
دمتي دايما بخير و سعادة ❤️🌷
 
Comment

نورهان الشاعر

عضوة
نجوم المنتدي
إنضم
10 مارس 2023
المشاركات
1,079
مستوى التفاعل
720
مجموع اﻻوسمة
2
جمرة العشق.... نورهان الشاعر

-2-

في أخر یوم لي في المستشفی أتیت أنت و حنین لأخذي للمنزل ،فقد كنت أنا غير قادرة على السياقة، و حنين تعاني رهابا من السيارات، و قد سرقت منها مرتين أغلى ما تملك. فمرة فقدت فيها والديها و هي لم تتعدى سنها الخامس عشر، فإنتقلت بعدها للعيش في بيت عمها الذي عانت وسطه الأمرين، فما إن بلغت سن الرشد و إستلمت إرثها حتى أبتعدت عنه دون رجعة، المرة الثانية و التي تقسمنا خلالها نفس الصدمة، كانت عند وفاة حبيبها و أخي قبل أسبوع من عقد قرانهما، و منذ ذلك الوقت حنين لم تعد كما كانت أبداً، وقد إنطفأت روحها تماما، و إختارت العيش في منزل طفولتها المنعزل و العمل في وكالة أسفار صغيرة دون أن تتعب نفسها في دخول معمعات مع عمها الذي ما ترك من إرثها إلا ذلك المنزل.



لم يتحدث أحدنا خلال المشوار ولو بكلمة واحدة ،كان كل واحد منا غارق فيِ أفكاره، لم تسألني أو حنین حتی عن الطریق، فأنت لا تزال تذكرها شِبرا شبرا، رغم السنوات التي مرت و رغم تغیر ملامح المدینة التي أبى الزمان إلا أن يترك أثره عليها .



أوقفت سیارتك أمام بوابة القصر ، فنزلت حنین هي الأولی لتساعدني و تخرج بعض الأغراض من حقیبة السیارة ، بقینا لثواني و حدنا، أنا و أنت فقط تحت سقف السيارة الصغيرة المشبعة برائحتك التي إخترقت أوصالي، نظرت إلي بأعین غامضة للحظات، أعين لم أستطع سبر أغوارها أبداً، و الظلال الذي شكلها الظلام المحيط بنا إلا من أضواء خافثة قد تحالف معك ليزيدك غموضا، كنت أبادلك النظر عبر المرآة الصغيرة بمشاعر متعبة مرهقة تماما، كسرت قوقعة الصمت بجملة كانت الأكثر غرابة في هذا الموقف



_إعتنیي بنفسك زینب ، لا تترك أي شیءِ یهزمك مهما كان الأمر. ظلي قوية ما كنت دوما.



غریب أنت یا معذبي تعلن عني الحرب بكل قسوة ،و تطلب مني ألا أنهزم وأنت تعلم جیدا نقاط ضعفي وتحاربني بها أي نوع من برودة الدم تملكها؟ حقا إِنك إنسان وقح!



فظلت الصمت عن إجابتك، و أنت أيضا لم تكن تنتظر مني جوابا في الأصل، نادیت حنین طالبة منها الإسراع و أنا لم أعد أطيق صبرا هذه الجلسة الحارقة للأعصاب، لبت ندائي بسرعة و أتت لتساعدني علی النزول ، ثم شكرتك علی إیصالنا فكان جوابك إیماءة برأسك .



حال دخولي للمنزل ، إستقبلتني أمي بنظراتها القلقة، و ما كان لها إلا النظرات، ربما ذلك يضاعف من وقع الألام عليها، فهي لا تملك حتى رفاهية التعبير عن ما يؤرقها، كم ألمني منظرها و أدمى قلبي بشدة، كم أحرقتي أنني أنا السبب هذه المرة فيما ألت إليه حالتها و قد كنت دوما أحرص كل الحرص على تجنيبها كل ما يؤلمها، و هأنا اليوم و بسببك أنت أكون سبب ألامها. توجهت إلیها وقبلتها وبصوت حاولت أن أجعله مرحا، قلت و أنا أداعب شعرها الأشقر الذي ما كان لي الحظ لأرثه منها.

_لا تقلقي جمیلتی أنا بألف خیر، إبنتك لا یأثر فیها شيء، فقط كنت أحتاج لبضعة أیام من الراحة ، وإستعادة نشاطي.



قبلتهِا مرة أخری، و صعدت إلی غرفتي بصحبة حنین ، تتبعني نظرات أمي القلقة، لم أكن يوما بهذا الشح في جلساتي معها، و قد كنت أخصص لها كل الوقت بعد العمل.لكن مرة أخرى هأنا أضطر للإبتعاد عنها بسببك، كي لا تكشف ما يجول في صدري من حزن و ألام، يكفيها ما تعانيه، تكفيها أحزانها، لا أريد أن أزيدها مآسي إضافية.



دخلت إلی الغرفة و اتجهت إلی النافدة الكبيرة المطلة على الشارع المقابل لبوابة القصر. ظللت شاردة في أثرك و قد أحسست أنك وشمت المكان بوجودك القصير، و كأن رائحتك قد ملأت كل الهواء المحيط بالقصر، و كأن طيفك قد سكن كل الأرجاء، كما سكن قلبي منذ سنوات طويلة ،كنت أعید كل لحظة مرت علي هذه الأیام و قلبي الخائن يخفق مع كل ذكرى كنت قريبا فيها مني بأي طريقة، بينما ضميري و كرامتي يلسعانني بسوط من نار و هما يذكرانني أنك رجل متزوج، و مجرد تفكيري فيك هو خيانة لهذا الرباط الذي كنت أقدسه دوما



_إلی متی یا زینب؟



أخرجنی سؤال حنین من شرودي، فإلتفت إلیها مستفهمة، سألتها و أنا عاقدة حاجبي



_إلی متی ماذا ؟



تحدتث هذه المرة بغضب و هي تحاول ألا ترفع صوتها كثيرا كي لا يصل إلى أمي



_إلی متی ستظلین علی هذا الحال ؟ منذ أتی وحالتك تسوء شيئا فشيئا، لم أعهدك بهذا الضعف! إرحمي نفسك أرجوم..؟



أجبتها بصوت مختلط بالغضب والبكاء...



_حتی یرحمني هو یا حنین! حتی یرحمني هو فأرحم نفسي! أتظنین أنني سعیدة بالحال التي أنا علیها الأن ؟! أنا أكثر من شقية بسبب ما وصلت إليه. لكن ماذا سأفعل ما بالید حیلة! أنا أحبه یا حنین أحبه!



صرخت بي في عتاب



_هذا لا یبرر ضعفك أبدا! من إستطاع نسیانك و إستبدالك بمنتهى السهولة إنسیه یا زینب. إنسیه!



أجابتها بروح منهارة و صوت يقطر ألما



_أتظنین أنني لم أحاول؟! أنا حاولت و حاولت دون أن أنتظر منك أن تقوليها لي، لكن حبه یحاصرني من جمیع الإتجاهات. لأنساه علي أن أنسى روحي وقلبي وكیاني!



حركت حنين رأسها بخيبة و هي تقول بألم



_إعتدتك قویةِ یا زینب ، مالذی حدث لك؟!



أجبتها بحرقة و إستسلام لم أعده بنفسي



_ أنا قویة بحبه ، وضعیفة به أیضا.



صرخت بي بغضب



_هل ستعشین حیاتك كلها علی هذا الحال؟ أجیبني! أيرضك الوضع الذي أوصلت نفسك إليه يا زينب! أنت تدمرين حياتك بهذه الطريقة! فترفقي بنفسك!



أجبتها بقهر و دموعي تنزل رغما عني بقهر من عيني



_لاأعلم ! لا أعلم! لیت الموت یأتی ویأخذني!



حركت حنين رأسها بخيبة و هي تقول



_ما بك یا زینب؟ ما كل هذا التشاٶوم ؟ كنت مثلي الأعلی في الصبر ولإستمرار، فمالذي دهاك الأن!



أجبتها بيأس كنت كارهة نفسي بسببه



_إنقطع الأمل من حياتي،وإنقطعت معه كل قوتي.

صرخت بي بإستنكار و قد إرتفعت أصواتنا في الحديث الملتهب حتى خشيت أن تصل كلماتنا إلى أمي، لم نصل يوما معا إلى هذه المرحلة أنا و حنين، لم نحتج يوما إلى رفع صوتنا كي نفهم بعض، لقد كانت دوما المسافة قريبة جدا بيننا، فيكفينا أن نهمس كي يفهم أحدنا الأخر، بل إننا ما كنا نحتاج حتى لذلك!



_من هذه التي أراِها أمامي بحق السماء !؟ لم أعد أعرفك زینب! ألست من تقولین دائما أن الأمل موجود بوجود الروح؟



إبتسمت بإستهزاء و أنا أقول بسلبية



_لقد كان روحي ، یا حنین كان روحي وذهب ولم یترك لي أي روح.



نظرت إلي بخذلان و ربما بعض الإشمئزاز من حالتي لتقول



_الأن فقط تأكدت أنني لم أعد أعرفك أبدا ، لست زینب التي كانت تربط حیاتها بأهداف ولیس بأشخاص . لست الفتاةالحدیدیة التي لا یأثر فِیها أي شيء!



ألقت كلماتها الغِاضبة علي ، وخرجت من الغرفة ومن القصر بأكمله، لم أملك القوة و الطاقة لألحق بها، فقد فاضت كل طاقتي و تعب السنين الخوالي يعود ليلقى ثقيلا جدا على كتفي، ما كنت في حالة تسمح لي أن أستمر أكثر في ذلك الحوار العقيم الذي يستنزف روحي، أدرك أني على خطأ لكنني لا أقوى على العدول عنه، أعلم جيدا أن الطريق الذي أسلكه نهايته مسدودة، لكنني لا أستطيع التوقف عن المضي ، حنین كانت علی حق في كل ما قلته. أنا الأخری لم أعد أعرف نفسي أبدا بسببك ، صرت أعیش غریِبة علیها ، لم أعد أفهم ضعفي أو أستوعب ردود فعلي تهت ولم أجد طریقي إلی نفسي ، ولا إلی ما أرید. ضاعت أحلامي مني و ضاعت معها روحي و كياني.



دخلت للحمام ، لكي أستحم وأغسل عني همومي وِتعبي ، علي أطفئ لهيب النار التي تتوقد بداخلي ، فلطالما كان للمياه علي أثر سحري يرخي نفسي و يبعد عنها الشوائب.



حال خروجي من الحمام جففت شعري وغیرت ملابسي ،تعمدت إرتداء فستانِ من اللون الأبیِض ، لما لهذا اللون من سحرِ علی تهدئت نفسیتي.

و هل ظل كذالك بعد أن لطخته أنت بذكرى غدرك؟! هذا اللون الحبيب علي و الذي كان رمزا لحبنا قي ما مضى قد غدى الأن لون شقائي، لكن ما باليد حيلة أصابتني لعنة حبه كما أصبتني لعنة حبك أنت.



توجهِت إلی المرسم الذي لم أدخله منذ عؐدت ، غریب هو هذا السحر الذي تمارسه عليّ فتجعلني أفقد كل توازني ، أي سلاح للضمار الشامل جربته علي وِجعلته یشتت كل شيء فیِ حياتي يا ظالم؟!



أمسكت فرشاة الرسم وبِدأت أنحث خطوطا لا أعرف ماذا ستشكل في الأخير، تركت العنان لفرشاتي لتخرج ما شاءت و كأنها هي التي تحرك يدي لا أنا التي أحركها، تركتها تتراقص على الصفحة البيضاء بكامل حريتها، لتترك ورأها أثرا يعبر عن ذاتها أو ربما عن ذاتي أنا.

بعد مدة من الزمن إكتشفت ماهیة لوحتي ، لقد ?انت صورتك ، صورتك، أنت یا حبیبي. فكيف تخرج لي من كل مكان؟! من رفوف ذاكرتي من أنين قلبي، من وجع روحي، مع نسمات الصباح، و مع ظهور القمر و إشراقة الشمس، تقفز دوما من أي شيء اضع يدي عليه، فأجدك تنتظرني دوما بين صفاحات الكتاب الذي إخترت، و أجدك بين حروف الجريدة التي دأبت على قرأتها تخليدا لروح والدي.



و هأنت الأن تقفز من عقلي لتحتل لوحتي، كما إحتليت فّي كل شيء. تستعبد خطوط فرشاتي كما إستعبدت نبضات قلبي. أفكلما تركت مقاليد نفسي للقدر أجده يرمني أمامك، كما رمتني هذه الفرشاة إليك ما إن تركت لها العنان لتعبر عن نفسها؟ أهكذا كل الطرق توصلني لك كل ما حاولت الإبتعاد عنك؟! أهكذا كل شيء يتحالف معك ضدي؟! فأظل وحيدة تائهة في غاباتك الموحشة؟!

كانت لوحتك الحافز الذي أطلق لي العنان لأنكب مرة واحدة على الرسم دون أن أتوقف أبدا و كأنني صرت ألة صنعت لهذا الغرض فقط ، أرسم كل شيء يمر بخاطري أنهيت لوحة و إثنين ، وثالثة لا أعلم كم بالضبط لكنني سأخرج كل طاقتي السلبیةِ في هذه اللوحات، سأسكب على صفحاتها البيضاء كل خيباتي كل ألمي و شجني ، یبدو أنني سأفتح معرضا جدیدا عن ما قریب. بعد هذه ليلة الحافلة.



أسرني جنون عشقم ، فلم أعد لروحي أملك ، قد غمرني جباروتك، فكلي صرت بین یديك ، فما ذنب هذا القلب الذي هواك ؟ ما ذنبه ولیس له سواك؟



بعد جلسة الرسم التي قمت بها أحسست بأنني أخیرا إستعدت بعضا من روحي و كياني ، الأن فقط سأقف لأواجهك بكل قواتي فإنتظرني إنتظرني یا معذبي . إبتسمت بنصر و أنا أحس بضفري الصغير عليك لأول مرة بعد عودتك.



في صباح الیوم التالي إستيقظت مباكرا و إستعددت للذهاب إلی العمل ، كالعادة توجهت لأخذ فطوریِ رفقة أمي الحبیبة أخر فردِ ظل لي من عائلتي التي فقدتها في رمشة عين، إنها عمري یا جاسر ، لن تستطيع أن تعرف كم أنا أحبها، هذه الإنسانة الرقيقة الهشة، الطيبة النشيطة في ما مضى قد أغرقتني حبا و حنانا، و علمتني كيف أكون إنسانة. لقد كانت أمي أفظل نموذج أم قد تحصل عليه يوما، لكنها الأن ظلت مجرد أطلال من الماضي، صرت أعيش معها و هي ميتة على قيد الحياة، أقتنص منها إبتسامة أو نظرة تثلج صدري فتعيدني إلى الأيام الخوالي. أيام كنا أسرة سعيدة لا يعكر صفوها شيء. أمي أغلی ما أملك و أخر ما أملك،. تِوجهت إلیها وضممتها بحب ،بدلتنیي عناقا ضعیفا،متعبا ككل شيء فيها لمنه كافيا بالنسبة إلي. أنا التي صرت أرضى بالفتاة من العواطف، بدل أن أموت بسبب جوع عاطفي



_كیفِ حالك حبيبتي الأن .هل تحسین ببعض التحسن؟



حركت رأسها لي بالإیِجاب كجواب إعتیادي علی سؤالي،الذي أطرحه عليها كل يوم فأصبحت انا أحفظ الجواب قبل أن تجيب و أصبحت هي تتوقع السؤال قبل أن أطرحه، لا أعرف سبب هذه الأسئلة النمطية التي نطرحها و نحن نعرف لها الجواب، نطرحها و نحن لا ننتظر إلا إستجابة لا إجابة حقا، فما كان الجواب فيها ليفيدنا بشيء و نحن نعلمه مسبقا.



في الحقيقة هي لم تكن بخير و أنا ما كنت محتاجة لطرح السؤال.



باشرت كلامي معها كعادتي أحدثها عن تفاصیل یومي. أو بالأحرى مخططاتي لهذا اليوم، لأعود في الليل لأخبرها بأنني قد فعلت، ثم أغرق معها في بعض التفاصيل التي لم تكن مهمة حقا، بل مجرد تمزيق للصمت الخانق.



أحدثها حديثا كان دائما من طرف واحد. و أنا من أدير كفته مع نفسي، بينما هي تستمع لحديثي كمتفرج على حياة الأخرين



_سأذهب اليوم إلی الشركة ، لقد غبت عنها لما فیه الكفایة، بعد ذلك سأتوجه إلی الخِیریة



أكملت بصوت منخفض و كأن نبرتي الحانية ستخفف من وطئ الألم



_وفي الأخیر سأتوجه لأزور أبي و أخي في المقابر.



كلماتي المتوترة كانت كافیة لتغلف عیوِنها اِلزرقاء بطبقة من الدموع. و الإنكسار يكسو وجهها المنكسر أصلا، لكنها سرعان ما مسحت عبرتها وإبتسمت لي، إبتسامة مهزوزة متألمة ، لتمسك بیدي،تشاجعني، و كأنها بهذه الحركة تقول لي "وفقك الله يا إبنتي و سدد خطاك"، أو ربما كانت تقول"حماك الله و رعاك يا صغيرتي يا أخر نبض لي في هذه الحياة"،لا أدري حقا الدعاء التي كانت تدعوه لي في سرها و هي عاجزة عن نطق الكلمات. لا أدري و أخر مرة دعت لي فيها بصوتها الحنون قد أصبحت بعيدة جدا، حتى نسيت بما كانت تدعوا، الشيء الوحيد المتأكدة منه أنها حقا تدعو لي.



أنهیت فطوري و ودعت أمي ، ثم خرجت من المنزل إستقليت سیارتي وتوجهت إلی الشركة،بعد أن غبت عنها طوال الأيام السابقة.



ما إن دخلت إلى مبنى الشركة حتى كنت أنت أول من وقع نظري عليه يا معذبي،كنت تتحدث مع أحد الموضفِین، فلم تفطن لوجودي، و رغما عني توقفت قليلا ليصلني الِحوار الذي كان یدور بینكما.



_لم أفهم كیف تركت لك إمرأة الجلید ، قیادة الشركة ،



منذ وفاة السید رائد وإبنه الأكبر لم تتغیب یوما عن العمل ، تصور حتی أیام الجنازة كانت تأتي إلى هنا!

سمعت ضحكتك التي سرقت قلبي منذ أول لقاء بیننا لتجيبه ضاحكا



_أنت مخطئ يا صديقي الأنسِة زینب أرق أنثی رأیتها فی حیاتي أنت تظلمها برأيك.



ردد الشاب بإستهجان



_نعم؟! یبدو أنك تتحدث عن فتاة أخری ، زینب التي أعرفِها بعیدة كل البعد عما تقول!



أجبتَه



_ هذا غير صحيح. قد تكون صارمة قلیلا في العمل ، لكنها طیبة جدا



رفع حاجبيه بصدمة و هو يفول



_صارمة قلیلا؟! بالله عليك إنها سیدة القسوة ، كیف تقول أنها صارمة قلیلا؟



_عااادل !! إذهب لعملك هیا بسرعة.



لا أستطیع وصف ملامح الشاب المسكين حین رأني فقد تلون وجهه بجمیع الألوان، كتمت ضحكاتي بصعوبة بالغة ، و أنا أرى الشاب الذي كان يتحدث قبل قليل بصدر منفوخ و عنجية، قد اصبح كالعصفور المبلل بحضرتي. تمتم معتذرا بكلمات غير مترابطة.



_أنسة زينب....أنا....لم اقصد......يعني....آسف...

.

لم أهتم بثرثرته الغير مترابطة بل جزرته بقسوة بصوت أشبه بقصف الرعد.



_هيا إلى مكتبك يا عادل، ستزيد ثانية واحدة سألقيك من نافدة المكتب و نحن كما تعلم في الطابق السابع.



خرج الرجل المسكين يتخبط في خطواته،بينما يسابق الرياح هربا من مديرته المجنونة، بينما إبتسمت بعدم تصديق و أنت تقول



_يا إلهي لا اصدق! لقد كدت أن تصيبي الرجل بسكتت قلبية، يا لجبروتك يا سيدتي!



تصفني بالجبروت يا جاسر! لك وجه لقولها و لو مزحا! أنت التي دمرت قلبي و مزقته بكل قسوة. تتحدث عن الجبروت يا سيده! أنا صارمة حقا في عملي لكن لم أظلم أحدا يوما، و لم أقصر بأي من واجباتي إتجاههم، بالعكس فقد كنت دوما أسعى لحل مشاكلهم و متاعب حياتهم و لو في الخفاء. كوني أنثى تشغل منصبا عاليا في دولة ذكورية بإمتياز، جعلني أرتدي شخصية قوية لا تهز، شخصية تبدوا ظاهريا باردة غير مبالية، سيدة الجليد كما كان يطلق علي، لكني في الداخل أنثى رقيقة جدا، أنثى تحتاج للحب و العطف و الحنان. وجهت نظري إليك لأحدثك ببرود جليدي



_سید جاسر ،أظن أنه لا سبب یجعلك تبقی هنا الأن، كما تری لقد عدت للشركة.



_لا شكر علی واجب أنسة زينب



لم ألقي نظرة عليك و أنا أتوجه إلى مكتبي، متقنة بمهارة دور سيدة الجليد اللامبالية. تحدثت بجمود وأنا أشیر إلی الباب



_تفضل سیدي یمكنك الخروج .



لم تتفوه بكلمةِ، رغم أنني قد أحسست بإنزعاجك من تعاملي البارد الخالي من أي لباقة أنت الذي تخشى على كرامتك أن تمس اكثر مما تخشى على روحك بينما بكل جحود مزقت كرامتي شر تمزيق.



حملت مفاتیحك وخرجت ، لا أنكر أنني شعرت ببعض من تأنيب الضمير بسب قسوتي معك، لكنك لا تستحق حتی مجرد تفكيري فيك، لا الشفقة و لا الشكر تستحقهما، و لا عشقي لك أيضا ،تركتني وتزوجت غیري، دون أن تشعر بتأنیب الضمیر ،وأنا الأن أفكر في مشاعرك؟أنت لا تستحق، لا تستحق شيئا مني و لولا كان مقتا!


يتبع....
 
Comment

نورهان الشاعر

عضوة
نجوم المنتدي
إنضم
10 مارس 2023
المشاركات
1,079
مستوى التفاعل
720
مجموع اﻻوسمة
2
جمرة العشق.... نورهان الشاعر



3
باشرت عملي كالألة، أعمل و أعمل دون توقف، علي لا أفكر فيك أبدا ، أأكل الملفات أكلا، الجديد منها و القديم، فكان لا بد من أن أعيد الإطلاع على الملفات التي عملت أنت عليها في غيابي، ليس نقصان ثقة فيك و أنت من سلبت ثقتي بالحياة، لكن هو هوس بي لا أرتاح أبدا إن لم أراجع كل أعمالي بيدي، كان أخي زياد دوما يسخر مني بسبب هذه العادة و يقول ضاحكا لأبي.



_كي تعلم يا حضرة الإمبراطور هذه وريثتك، فعندما تتقاعد هي من ستخلفك في الإدارة، أما أنا لا أريد إلا منصبا بسيط، فشبابي أثمن من أن اضيعه بين كومة أرقام.



و صدقت نبوءة أخي فكنت وريثة الإمبراطور، لكن شبابه لم يضع بسبب كومة أرقام كما كان يخشى، بل بسبب سيارة طائشة، أودى سائقها بحياته و حياة أبي و أخي معه ظللت علی هذا الحال إلی ما بعد موعد الغذاء ، حين أنهیت جمیع أعمالي ، أخدت حقیبتي وتوجهت إلی أقرب مطعم من الشركة، تناولت وجبة خفیفة ، ثم أنطلقت بسیارتي إلى محل لبيع ألعاب الأطفال ، كي أشتري بعد الهدِیا لأطفال المیتم.

بعد مدة وصلت إلى المحل الذي كان يعرفني فيه كل عماله بسبب إرتيادي المتكرر إليه على مدى سنوات، كنت كل مرة أصل فيها إلى هنا أرى نظرات متسائلة من العاملين محلها " متى سأتين مرة من أجل شراء شيء لأطفالك أنت؟"، حتى إن إحدى العاملات تجرأت يوما و سألتني مباشرة، و إحداهم قالت لي يوما " العقبة لك أنسة زينب". فكنت أتخيل كل مرة بشوق أطفالي منك، أطفالي الذين لن يأتو أبدا للحياة، و قد إخترت أنت أخرى لتكمل معها حياتك و تركتني أنا و أحلامي الممزقة و أمالي المهدورة، تركتني و قلبي المذبوح.

انسجمت في تفكيري و أنا أختار بعض الألعاب لأجل كل طفل في المیتم ،لا تستطیع أن تعلم كم أحب هذا العالم یا جاسر ، إنه عالم جمیل جدا خال من أي مظهر للبغض والكره ، كنت سعیِدة لأنني سألتقي بؤلائك الملائكة الصغار ، أنت تعلم جیدا حبي للأطفال ، كنت أتمنی أن تكون لنا فتاة جمیلة تشبهك یا حبیبي ،تملك نفس عيونك الزرقاء اللامعة ، وشعرك الكثیف الحریري، لكن یبدو أن مكان هذه الفتاة سیظل في أحلامي فقط دون أن تبصر نور الحقيقة يوما .



كنت غارقة في مهمتي المتمثلة في إختيار الألعاب المناسبة لكل فرد، يشغلني تفكيري بك عن كل ما حولي و يعرقل مهمتي، التي كنت أقضي عادة فيها وقتا أقل.

رفعت رأسي فجأة لأتسمر في مكاني صدمة و أنا ألمحك مِع زوجتك المصون ، كنتما تختران ملابسا لرضيع صغير، شاهدت الإبتسامة تعلوا ثغر زوجتك و هي تحمل قطعة ملابس صغيرة زرقاء اللون، أنت ايضا حملت القطعة بيديك تنظر إليها بضحكة مستغربة و أنت تقول لها شيئا ما لم أسمعه، لكنني سمعت جيدا صوت سعادتك الجياشة.



هل زوجتك حامل ؟! لا! لا یمكن أن يكون الطفل الذي كنت أحلم به دوما من نصيبها هي ، كلا لا أستطيع أن أصدق هذا أبدا، لن أستطيع أن أتحمل! فذلك أقوى مني بكثير، حتى عندما علمت بزواجك لم أشعر بهذا الألم القاتل و لا بهذه الطعنة النجلاء التي شقت صدري شقا.

من شدة صدمتي أسقطت اللعبة التی كانت بين يدي ، فالتفتما كلي كما إلي بسبب الضجة التي أصدرت ، إنحنیت لألتقط اللعبة التي سقطت مني، و أنا أتهرب من مواجهتكما، خشية من أن يفضحني ألمي الجلي ، إقتربت زوجتك الحسناء مني و أنا لا أزال منحنية على الأرض، سمعت طرق كعب حذائها العالي و هي تتوجه إلي. عجبا! ألا تعلم عدم تفضيلك للكعوب العالية، ام أن هذه القاعدة كانت خاصة بي أنا وحدي؟! صوتها الناعم تالى صوت كعب حذائها فسمعتها تقول بلهجة رقيقة في نعومة الورد



_أنسة زينب ، هذه أنت؟



رفعت رأسي لها أتأمل جمالها الفتان عن قرب، كانت أشبه بالملاك ببشرتها الحليبية التي رغم أني لم ألمسها أستطيع أن أقر أنها في نعومة بشرة الرضيع، ملامحها الجميلة تشع براءة، كل ما فيها رقيق و فاتن، عينيها الواسعتين بلونهما البني الغامق، شعرها الأسود الذي ينسدل على كتفيها بمنتهى النعومة، بل بنعومة مستفزة! شفتيها الكرزيتين، أنفها الصغير، جبينها اللامع، حاجبيها الرفعين، جسدها الممشوق الذي ينسدل عليه فستان من اللون الوردي الفاتح، كل ما فيها أكثر من رائع فلا ألومك إن فضلتها علي، لكنني أبدا لن أستطيع تجاوز طعنك لي بهذه الطريقة، حين أحسست أن صمتي قد طال إبتسمت لها دون روح و أنا أقول ببرود



_سیدة شمس هذه مصادفة جمیلة ، لم یخطئوا حین قالو رُب صُدفة خیر من ألف میعاد.



فی هذه الأثناء أتیت أنت یا قاتلي یا حبیبي الظالم. حافظت على هدوئي وعلی الإبتسامة التي أتقنت رسمها ، یبدو أنني لا أتقن الرسم علی الأوراق فقط ، بل علیِ وجهي أیضا



_أووه! أنتَ أیضا هنا سید جاسر ، هذه مفِاجأة رائعة، حسنا یبدو أننیِ سأكون أول واحدة ستبارك لكما .

سألتني زوجك المصون مستفهمة



_تباركینِ لنا؟ علی ماذا بالضبط



_الأمر لا یحتاج لكثیر من الذكاء أیُ زوجین سیأتيان إلی هنا لشراء الألعاب لأطفالهم وعلی حد علمي لیس لكم أی أطفال فهذایعنی أنك حامل



ضحكت زوجتك بقوة ثم قالت من بین ضحكاتها



_لا لا الأمر لیس كما ظننت أبدا ، أنا لست حامل ، فقط جئت لأشتري هدیة لإبن صديقتي بمناسبة حفل ولادته.



و تنفست الصعداء. لا أستطيع أن أصف لك الراحة التي أحسست بها عندما نطقت زوجتك بالكلمات، رغم أنني أدرك أن هذه السعادة ليست إلا شعورا غبيا مني، فما الفرق إن لم تكن حامل الأن فبالتأكيد ستحمل في ما بعد أليست هذه النتيجة الطبيعية لأي زواج؟! حاولت الخروج من أفكاري العقيمة المتضاربة و انا أغصب إبتسامة مجاملة على شفتي بينما أقول



_اه ! عفوا لم أكن أعلم ، في المستقبل إن شاءالله...



نظرت إليك مبتسمة لتقول و هي تتأبط ذراعك



_أتمنی ذلك لكن جاسر لا یریِد الأطفال



وجهت نظري المستخف و المتألم إليك.. فعلى حد معرفتي بك و التي أدركت أنها فارغة تماما أنت أیضا تعشق الأطفال ، فما الذي تغير الأن؟! أذكر أن قضيتنا الأولى كانت هي عدد الأطفال الذين سننجبهم، فحين كنت أنا أرفض أن ننجب أكثر من فتاة واحدة، كنت أنت مصرا على أن ننجب على الأقل ثلاثة! كنت تسألني بمكر محبب لقلبي



_إذن يا أم الفتاة، تخيلي أننا لم ننجب فتاة أحلامك بل كان أول مولود لنا صبيا؟



أرفع كتفي قائلة



_رغم أن إحساسي الأمومي يخبرني أنها ستكون فتاة، فحتى إن حصل و كان صبيا سأحبه فمهما كان سيظل إبني.



ترفع حاجبيك قائلا



_ستحبينه؟! يا لكرمك يا سيدتي.



فأجيبك بفخر



_أنا أم.



إبتسامة حنونة نزين قسمات وجهك الحبيب و أنت تقول



_ إذن خبريني يا جميلة لو كان المولود الأول و الثاني و ربما حتى الثالث صبيا فبالتأكيد ستظلين تنجبين حتى تلدي الطفلة التي تردين في الاخير و انا أيضا سأحصل على الأطفال الكثر كما أحب



كنت أعقد حاجبيَّ بغيظ و أنا اقول



_ماذا تظن أنت؟! هل ستتزوج أرنبة! أنا سيدة اعمال و فنانة لدي الكثير من الإلتزامات و لن أجلس لأربي أولادك.



تقول ضاحكا بسخرية



_على أساس أنهم أولادي فقط.



فأجيبك



_بالتأكيد فأنا أملك طفلة واحدة هي شمس.



_و المسكينة إبنتك ألن تأرفي بحالها، ستتركينها وحيدة بلا إخوة؟!



أجيبك بثقة



_لا تقلق شمس لن تكون وحيدة بل إنها ستتربى مع إبنة حنين و زياد فلا تقلق.



كنت تضحك ملئ فاك، حتى تجتدب إلينا الأنظار، و تسلب قلوب الفتيات المرات بنا.



_أنت جهزت كل شيء، و ما محلي أنا من كل هذا؟!



ابتسم لك بحب قائلة



_أنت الكل في الكل حبيبي.

فتحمل يدي إلى شفتيك تطبع عليها قبلة رقيقة و أنت تقول

_حبيبتي أنت.

تتورد وجنتي خجلا و قلبي العاشق يرفرف في أفق حبك، بينما ابادلك نظراتك العاشقة، فما الذي حدث؟! ما الذي غيرك بهذه الطريقة؟! كيف في غفلة عني قد تبخر كل ذلك العشق و إنتهى كل ذلك الحب؟!

كان حبا مجنونا بريئا صادقا، فكيف تحول فجأة إلى بركان من القهر و العذاب؟!



غریب أنت یا حبيبي لغز لیس له حل، ما بالكم أیها الرجال تتقنون لعبة الغموض ما من أحد یستطیع فهم. كیف تفكرون تأتون متى تشاٶون ، وتذهِبون حین تریدون ، تتكلمون لا تسمعون وتأمرون لا تتفهمون ، وتخبئون أكثر مما تصارحون.



_وأنت أنسة زينب ، هل تزوجتي بالسر .

كانت هذه جملتك التي لم تفتني لهجة التهكم بیها، فلك كل الحق للسخرية مني بعد أن بقيت على حبك بكل غباء. قبل أن أجيبك جاءني صوت مدير المحل



_أنسة زينب لقد جمعنا كل الألعاب الذي طلبتي ، هل أترك أحدا من العمال یذهب معك لتضعینهم في سیارتك؟



قبل أن أجیب سبقتني أنت قائلا



_لا داعي لذالك ، سأقوم أنا بإيصالهم



احنى الرجل رأسه لك بإحترام قائلا



_حسنا سيدي



إنحنیت لتحمل الأغراض ، فحاولت إیقافم فلامست یدي یديك فإعتلتني رجفة أفقدتني قوتي لأسحبت یدی بسرعة، قلت لك بحروف متقطعة من فرط المشاعر التي إجتاحتني



_لا داعي لتتعب نفسك سأحملهم أنا.....



لم تفتك حالة التی إعترتني، كما لم يفتني أنا تأثرك أنت أيضا، لكنك حاولت أن تخفي ذلم بإتقانم أمام زوجتك، و انت تقول بإبتسامة مجاملة



_مامن تعب هذا واجب.لكن لم تخبریني هل ستفتحین محالا للألعاب؟



حركت رأسي بنفي و أنا أجيبك



_لا سأذهب للخیریة ، و كنت أأخد بعد الألعاب للأطفال.



إبتسمت لي ثم سألتني برقة



_ألتزالین تذهبین للخیریة؟

رددت على إبتسامتك بأخرى يملؤها الحزن و أنا أجيبك ببعض الشجن



_فعلا ، لا یمكنني الإبتعاد عن هناك مهما حدث. أنا لا أتخلى على ما و من أحب أبدا.

تجاهلت جملتي الثانية و كأنك لم تسمعها لتسألني

_أیمكننی الذهاب معك ؟

قبل أن أفتح فمي لأرد عليك سبقتني زوجتك المصون بالإجابة، و كأن ردي أنا لا يهم! و كأن موافقتي مفروغ منها

_إذن سأترككما وسأذهب عند صديقتي لأساعدها عِلی إعداد حفلة المساء.



يتبع...
 
Comment

نورهان الشاعر

عضوة
نجوم المنتدي
إنضم
10 مارس 2023
المشاركات
1,079
مستوى التفاعل
720
مجموع اﻻوسمة
2
جمرة العشق.... نورهان الشاعر



4


إبتسمت لها و أنت تقول بإمتنان



_أشكرك علی تفهمم شمس، أسف لأنني لن أستطيع الحضور معك ، تفضلي خذي مفاتیح السیارة ، سأذهب أنا رفقة زينب في سیارتها.

إلتقطت منك المفاتیح ، ثم إبتسمت وقالت لك برقة

_لا تقلق حبیبي ، إذهب أنت معها في أمان الله، أعلم أنك هكذا ستكون أكثر راحة.

و قبل أن تذهب لم تنسى أن تطبع قبلة على خدك، و تهمس لك بشيء ما في أذنك جعلك تبتسم.

في الحقیقة أنا لا أستطيع تقبلها أبدا ، ليس بوسعي إلا أن أمقتها رغم أن ذلك ليس من حقي، لا أنكر أبدا أنها فتاة طیبة ، إنها فعلا كالملاك، لكن من الصعب علي أن أحبها فرغم كل شيء تظل من سرقتك مني ، ولو لم تكن تعلم.

أعرف أن هذا لیس ذنبها ، أنت وحدك المذنب في هذه القصة ، كلانا ضحیة لجبروتك وغرورك، يا قاسي القلب!

بعد أن إختفت زوجتك عن ناظرينا، وجهت نظرك إلي، لم تقل شيئا، فقط نظرت إلي بعينين كنت قديما أقرأهما ككتاب مفتوح، لكن ستارا قاتما قد إنسدل عليهما الأن. فجعلني لا ألمح منهما شيئا.



لا أدري كم طال بنا النظر، لكنك كنت أول من قطعته و أن تنحني مجددا لحمل الأكياس معي، سألتني عن مكان سيارتي، فأشرت لك إليها.

توجهت معي إلی السیارة، أنزلت الحقائب قربها و مددت إلي يدك قائلا.

_أعطيني المفاتيح.

فتحت حقيبتي لأخرج المفاتيح منها و أنا أقول لك

_لا بأس سأفتح أنا السيارة.

غير أنك خطفت المفاتيح من يدي ما إن أخرجتها من الحقيبة و أنت تقول

_لا تخافي لن أسرق منك سيارتك، سأضع الأكياس في الحقيبة، ثم أقود بدلا عنك لن يحدث شيء لسيارتك الغالية.

ظللت أنظر إليك مصدومة من تبسطك معي، تتعامل بطريقة عادية كأن شيئا لم يحدث، و كأنه لا يفصلنا عن بعضنا أبحر و جبال، و كأنك لا ترى السد المنيع الذي بنيته بيننا.

إنحنيت لتحمل الأكياس الكثيرة لتضعها في حقيبة السيارة، بينما كنت انا لا ازال مسمرة في مكاني بذهول. إلتفتت أنت إلي قائلا.

_إذن يا سيدة زينب ألن تساعديني، اظننت فعلا أنني سائقك الخاص؟!

عقدت حاجبي بغضب و أنا أنحني لأحمل كل الأكياس المتبقية و أضعها في السيارة دون أن أكثرت بثقلها بينما أقول بغيظ

_لم يطلب أحد مساعدتك في الأصل، انا اكثر من قادرة على الإعتناء بشؤوني! أنت من تحشر نفسك فيما لا يخصك!

أغلقت حقيبة السيارة بعنف، ثم إلتفتت إليك قائلة

_أعطيني مفاتيح السيارة.

رفعت يدك بهم عاليا و أنت تقول

_كلا يا مدللة أبيك، الدور السلطوي هذا مارسيه على موظفيك أما أنا فلا. ثم إنك مخطئة جدا كل ما يخصك يعنني. أنت يا زينب تعنني كاملة.

قلت جملتك الأخيرة و أنت تمسك بذراعي مقربا وجهك مني حتى لفحتني أنفاسك.

أبعدت ذراعي عنك بعنف و قد إلتمعت عيني بدموع القهر، لكنني نظرت إليك بشراسة قائلة.

_أولا و إياك! إياك أن تلفظ إسم أبي على لسانك! ثانيا انا لا أخصك، لا اخصك بشيء أتفهم أنا ملك نفسي!

و كأن الألم الذي رأيته في عيني قد قتل قليلا من غرورك، نظرة إلي بذنب و أنت تهمس بإعتذار

_أنا أسف يا زينب، لم أقصد جرحك.

لم أجبك. بل توجهت إلى باب السيارة لأفتحها و أجلس في المقعد المجاور لمقعد السائق، لم يكن ذلك ضعفا أو إستسلاما مني، لكني ما كنت أريد أن أطيل أكثر في هذه المواجهة الموجعة، لن أجعلك تكسر فرحتي أبدا بلقاء الأطفال.

تبعتني بعد لحظات قليلة، لتجلس في مقعدي و تشغل محرك السيارة، لم تتحدث و أنت تتحرك متوجها إلى الميتم الذي كنت تعرفه جيدا في ما مضى، صمت قاتل قد عم بيننا صمت مرهق للأعصاب.

بعد مدة سألتني و قد طال بنا الطريق وسط إنقطاع كلماتنا و إهتياج عواطفنا

_هل رندة لا تزال هناك؟

كنت شاكرة لتغييرك هذا للموضوع فإبتسمت و أنا أتذكر الفتاة السمراء الصغيرة لأجيبك

_نعم هي لا تزال هناك ، أتعلم أنها تسألوني عنك دائما رغم مرور كل هذه السنوات؟

إبتسمت برقة و أنت تسألني

_ألا تزال تتذكرني حقا ؟

أجبتك بشرود حزين

_الأطفال لا ینسون أبدا ، ذاكرة الطفولة قوية جدا ، و خصوصا أطفال المیتم هم یتعلقون بأي شخص یهتم بهم بسبب إفتقارهم للحنان.

ألقيت نظرة علي قبل أن ترجع نظرك للطريق و أنت تقول بحنان إشتقته منك كثيرا

_زينب أتعلمین أن أول ما جذبني لك هو طیبة قلبك؟!

وهو ماجذبك لزوجتك ألیس كذالك؟! يبدو انك تملك ضعفا كبيرا أمام طيبة القلب.هل هذا بسبب إفتقارك إليه؟!

لم أشأ أن أوتر الجو مجددا وإحتفضت بجوابي لنفسي ، ثم قلت مغیرتا الموضوع



_أتعلم رندة قد كبرت كثیرا، لقد أصبحت في الثانية عشر من عمرها.



نظرت إلي بإستغراب قائلا



_كلا! لا یعقل تركتها في سنها الرابع!



قلت بقهر



_أرأیت ، لقد مرت ثمان سنوات علی غیابك بلمح البصر!

تمتمت أنت بشرود

_أظن أنها لن تتذكرني

_مخطئ أنت في ظنك. من یحبك من المستحیل أن ینساك ، ثم إنها لاتزال تحتفض بصورتك إلی الأن في إنتضار عودتك

أوقفت السیارة و أمسكت یدي بين يديك. و أنت تنظر إلى عمق عيني، سألتني بصوت خافت اثقلته العاطفة

_وأنت یا زينب هل نسیتني؟! هل محى الزمان ما كان بيننا من قلبك؟!

بعذاب و قهر أجبتك

_أنت تعلم الجواب جیدا یا جاسر ، فأرجوك كف عن تعذببي!

_أرید أن أسمع الجواب منك أنت ، أرجوك

بصوت مخنوق بالعبرات أجبتك بحرقة

_نعم لم أنساك یوما یا جاسر فأنا أحبك؟ بل أعشقك! لكن أین سیفید هذا؟ أين سيفيد!

حاولت إسترجاع هدوئي، لأسحب يدي من يديك و امسح بها دمعة خائنة هربت من عيني، أدرت رأسي إلى النافدة و أنا اقول

_أرجوك یا جاسر لا وقت لهذا الكلام، دعنا نذهب سنتأخر عن موعد الزيارة.

أدرت عجلة السیارة دون أن تنبس بحرف لمدة، لكنك بعد صمت قلت لي

_أنا أیضا أعشقك ، أعشقك یا زينب و أموت قهرا كل یوم أعیشه بعیدا عنك.

نظرت إليك بإتهام قائلة

_أنت من إخترت هذا المصیر! أنت من فعلت بنا هذا! فلا تتظاهر الأن بالندم!

ضربت المقود بيديك و أنت تقول بقهر

_أنتِ لا تعلمین شيئا یا زينب! لا تعلمین شيئاً!

أجبتك بنفس درجة صوتك المرتفعة.

_لا أعلم و لا أود أن أفعل، مهما قلت الحقيقة لن تتغير أبداً. لقد إخترت أن تكمل حياتك مع غيري و إنتهى الأمر هنا.

في هذه الأثناء وصلنا إلی المیتم ، نزلت أنا الأولی من السیارة لأقفل أي باب للحديث معك.

توجهت إلى محفظتها لأستخرج الأغراض منها ، فنزلت أنت الأخر لمساعدتي دون ان تنبس بكلمة، و قد إحترمت رغبتي في الصمت.

ما إِن دخلنا حتى إستقبلنا الأطفال بحفاوة وتعلقو بنا سعداء ، فدائما سعادة و حزن الاطفال بسيطان جدا، هم يعيشون اللحظة فقط. لا يفكرون لا في الماضي و لا المستقبل. فعندما يأتي وقت الضحك يضحكون، و في وقت الحزن و الألم يبكون دون رداع. ربما كان الخلاص في هذا بالضبط، و ربما الوصفة السحرية تكمن هنا في أن نعيش كل لحظة بأحاسيسها فقط، مجردين إياه من التسلسل الزمني، لكن نفسيتنا نحن الكبار أكثر تعقيدا بكثير من أن تخضع لهذه القاعدة

ومن بعید جرت رندة إليك ما إن رأتك و قد تهللت أساريرها ، لترتمي في حضنك

_عمو جاسر أتیت أخیرا،إنتضرتك طویلا، لماذا إختفيت طوال هذا الوقت

بعثرت شعرها بيدك في حركة كانت تغظني دوما حين كنت تفعلها معي في ما مضى، ثم قبلت وجنتيها قائلا بحنان

_جئت یا حبیبة عمو جاسر ، لقد كبيرتي كثيرا يا طفلتي،وأصبحت عروسا جمیلة إبتسمت لك و هي تقول بفطنة أكبر من سنواتها الثانية عشر، او ربما تناسبهما فالاطفال يكبرون في غفلة عنا



_العروسة هي زينب، لقد إنتظرتك هي كثيرا أيضا ، فمتی ستتزوجان؟

وجهت نظرك إلي وقلت بحب وأنت تبتسم

_عما قریب ، إن شاء الله.

ما الذي دهاك بحق الخالق؟! كيف لاتزال تلقي وعودا أنت تعلم جيدا أنك لن تفي بها أبداً؟ كان يمكنك التهرب من سؤال الطفلة العفوي بأي طريقة بدل أن تكذب هكذا!

_وستأخذونني معكما لحفل الزفاف ألیس كذالك ؟

قرصت وجنتيها بأصابعك و انت تقول برقة

_بالطبع حبیبتِي ستكونین أول المدعوات.

_والمدعوین أیضِا.

ضحكت علی مشاكستها الحلوة، بينما أتقل هذا الحوار كاهلي، فتدخلت لؤقفه قائلة بلهجة حولت جعلها مرحة ما اكمن

_إذن يا ريري ، ألن تلقي التحیة علي حتی؟!

إبتعدت عنك الصغيرة لتتوجه إلي و تقبلني قائلة

_أنا أسفة ، یا زنوبة فقد إشتقت لجاسر كثيرا.

ثم إقتربت لأدني وهمست لي متسائلة

_ألا تشتقین إلیه أنتِ ؟

إقتربت أنت منا وبصوت لا یخلو من المرح قلت

_بماذا تتهمسان أمیرتي وراء ضهری؟ِ

أجابتك رندة بغرور أنثوي حلو

_أمور تخص الفتیات.

رفعت حاجبيك قائلا

_لا والله! أصبحت تخفین عني یا روري.

إجابتها كانت برفعها لكتفیها وهي تشبك یدیها وراء ظهرها والبسمة تزین وجهها الملائكي

_حسنا ، روري تعالي معي لأريكي ما أحضرنا لك معنا ، و نادي معك الأطفال أيضا.

ما إن قلتُ لها ذلك حتی جرت راكضة لتخبر أصدقها. نظرت إلي وأنت تبتسم قائلا

_لن تتخیلي یا زينب كم إشتقت إلی هذا الجو .أحس أنني كنت مییتا طوال سنوات الماضیة التي كنت بعيدا فيها عن هنا

كنت أنتظر قدومك لأحیی لكنني مت بدل المرة ألف كلما تذكرت أنك صرت لواحدة أخری، أجبتك و أنا أنظر إلى زرقة عينيك العميقة



_الجو أیضا إشتاق لك

كنت تود أن تقول شيئا لكن رندة أتت برفقة الأطفال في هذه اللحظة ، فذهبنا معهم لنعطیهم هدایاهم.

أحسست بروحي قد تجددت أخيرا، بعد طول ركود و ألم. إشتقت إلی أن أكون قریبة منك حبیبي، إشتقت أن نكون معا كما الماضي لا تفصلنا حدود و لا تقيدنا قيود ، هذا الیوم نعمة أهدها الله لي و قد كنت في أمس الحاجة لها.

تصبح شخصا أخر مع الأطفال ، و كأنك تعود طفلا من جديد، و كأن كل سنواتك تنزاح عن عمرك، فتصبح مماثلا لهم سنا. رغم كل العذاب الذي تسببه لي إلا أني أعشقك كل یوم أكثر من سابقه وأتأكد أنني من المستحیل أن أنساك مهما حدث.

بعد خروجنا من المیتم ، توجهت بالسیارة إلی البحر وأوقفتاها أمامه كان اللیل قد حل ، فكسى بسواده أرجاء المدینة ، البدر كان مكتملا يتربع في عرش السماء ، بينما النجوم قد نثرت حوله كلألئ مرصعة في عباءة الليل الفضفاضة.

نزلت من السیارة و فتحت لي الباب لأنزل أنا الأخری معك

أمسكت یدي ،ثم همست لي بحنان وأنت تنظر إلى عمق عیني

_أنا عاجز عن شكرك علی هذا الیوم یا زينب لا تتصورین مدی سعادتي به

إكتفیت بالإبتسام لك، قبلت جبيني قبلة طويلة، و كأنك تختمني بحبك، عدت للنظر إلى عيني بحنان و عشق جارف ثم ضممتني إلی صدرك فرصوت فیه كغارق وصل أخیرا إلی بر الأمان .

بعد مدة إبتعدت عني وأخذت بیدي لتجلسني أمام البحر ، وضعت رأسي علی كتفك و أحطت خصري بيديك ، لم یتحدث أحدنا بكلمة لغة الروح وحدها من كانت تتحدث. فالصمت يتحدث دوما بما لا نستطيع أن ننطق.

مالي سواك حبیبي یحرصني، مالي غیر حبك یأوینیي ،عیناك حبيبي موطني و حضنك هو مسكني ، عشقك هو إیماني ،وبسمتك هي دواء أحزاني.

لم أعلم كم مِن الوقت مضی، و أنا في مغيبة عن الواقع ، لكنني فس هذه اللحظة إستیقظت من حلمي علی مرار واقعي ، فهببت واقفة من مكاني ، وقفت أنت الأخر متسائلا



_ مالذی ذهاك حبيبتي ؟ هل أنت بخیر؟

حركت رأسي بنفي و أنا اقول بقهر

_لا! لا! ما نفعله خطأ أنت متزوج یا جاسر!

قلت لي بتوسل

_ألا یمكنك نسیان الواقع لمرة واحدة ؟

غرزت أصابع يدي في شعري أرفعه للأعلى و أنا اقول بعذاب

_الواقع هو اللذي لا ینسنا يا جاسر! فهو یذركنا به في كل وقت و حين.

توسلتني و أنت تمسك يدي

_زينب ، أرجوك حبيبتي لو كان في قلبك ذرة حب إتجِهي إنسي الواقع للیوم فقط إنسیه حتی الصِباح أتوسل إليك

سحبت يدي من يدك و أنا أنظر إليك بألم قائلة.

_لن ينفع، صدقني لن ينفع بشيء.

إستدرت عنك أتوجه للسيارة قائلة.

_ لقد تأخرنا كثیرا ، دعنا نعد أرجوك

تبعتني للسيارة، لتجلس في مقعد القيادة، ثم تدير عجلة السيارة مبتعدا عن المكان.

__________

نهاية الفصل الثاني

أتمنى لكم قراءة ممتعة

 
Comment

كاسيوبيا

غــجـرَيّـة الـمـجـرَة♘
مستشار الادارة
إنضم
14 أبريل 2023
المشاركات
57,253
مستوى التفاعل
63,526
الإقامة
مجرة أندروميدا
مجموع اﻻوسمة
24
جمرة العشق.... نورهان الشاعر
الفصل الأول
ممتلئ بالأحزان والأشجان
أحزنني حقا

لكن أعتقد أن هناك سر بالأمر
هناك مبدأ أخبرني به جدي في يوم من الأيام
أن الرجل لا يسمي الفتاة بأسماء مختلفة غير أسمها
إلا إذا كان يحبها وجداً

هناك لبس في الأمر وأنتظر الأحداث


سامحيني على التأخر بالرد بس زفاف أخي أخذ مني مجهود والحين دراستي 🥲

تحيتي لك أميرتي😘
 
Comment

نورهان الشاعر

عضوة
نجوم المنتدي
إنضم
10 مارس 2023
المشاركات
1,079
مستوى التفاعل
720
مجموع اﻻوسمة
2
جمرة العشق.... نورهان الشاعر
الفصل الأول
ممتلئ بالأحزان والأشجان
أحزنني حقا

لكن أعتقد أن هناك سر بالأمر
هناك مبدأ أخبرني به جدي في يوم من الأيام
أن الرجل لا يسمي الفتاة بأسماء مختلفة غير أسمها
إلا إذا كان يحبها وجداً

هناك لبس في الأمر وأنتظر الأحداث


سامحيني على التأخر بالرد بس زفاف أخي أخذ مني مجهود والحين دراستي 🥲

تحيتي لك أميرتي😘


نجمتي الجميلة تنيرين متى سطعت على سمائي يا حلوة....
و فعلا مجيئك اتى جميلا... مبروك على اخيك و الله يوفقك و يعينك انت فدراستك...
أحببت حكمة جدك لا بد انه حكيم و رومانسي أيضا ربي يحفظه لك حبيبتي...

شخصية جاسر ستوضحها الفصول أنرتيني
 
1 Comment
كاسيوبيا
كاسيوبيا commented
قسم جدي أبو الرومانسية وطول الوقت أنا عنده بس ما أعرف ليه دفشة😭
 

نبض الحياة

✨💞Heba emade
إنضم
21 مايو 2021
المشاركات
17,247
مستوى التفاعل
10,508
مجموع اﻻوسمة
6
جمرة العشق.... نورهان الشاعر
مساءكم ورد آل غابة

سوف أكمل تنزيل باقي رواية
نوري ♥️ نورهان الشاعر @نورهان الشاعر

كونو بالقرب

أتمني أن أري تفاعلكم
و رأيكم

دمتم بكل خير و سعادة 💐
 
1 Comment
كاسيوبيا
كاسيوبيا commented
هل هي بخير طمنيني عن تلك الغابة
التي أخذت معها النبض🥀
 

نبض الحياة

✨💞Heba emade
إنضم
21 مايو 2021
المشاركات
17,247
مستوى التفاعل
10,508
مجموع اﻻوسمة
6
جمرة العشق.... نورهان الشاعر
الفصل الثالث




حین وصلنا إلی المنزل ، نزلت من السیارة ، فنزلت أنت أیضا معي ،قبلت جبیني ، ثم قلت لي بصوت هامس
_إعتني بنفسك حبیبتی ،وكوني متأكدة أنك ستظلین الأمیرة المتِوجة علی عرشِ حبي مهما حصل .

إكتفیت برسم إبتسامة صغیرة على شفتي، لا أعلم ما كنت أقصد منها بالضبط، فأي جواب يستحقه كلامك الذي يستفز عواطفي و عقلي فيجعلهما في صراع لا ينتهي؟!

تركتك و دخلت إلی حدیقة القصر لم أتوجه إلی المنزل بل قررت الذهاب إلی المرسم ، فأنا لا أستطیع أن لا أشارك فرشاتي الأن في مشاعري، لمحتني من قضبان القصر، و قد كنت لاتزال واقفا هناك فناديتني بصوت منخفض كي لا يصل لمن في البيت
_زينب ،إلی أین أنتِ ذاهبة؟

إستدرت إليك مجيبتا إياك بنفس همسك
_إلی المرسم ، لماذا تسأل؟

دفعت بوابة الحدیقة ثم دخلت قائلا
_سأذهب معك

رفعت حاجبي بصدمة قائلة
_معي أنا ،هل جننت ؟!

إبتسمت بمشاغبة قائلا
_لحد اِلأن لم ترین شيئا من جنوني یا قطتي ،هل أستطیع أن أدخل؟

رددت عليك بجفاء قائلة
_بالطبع لا!

_إذن لم تتركي لي خيارا رفعت صوتك و أنت تنادي أمي

_خالة نرمين ! يا خالة نرمين!

أغلقت فمك بيدي بسرعة، و أنا أتلفت يمينا و يسرا خشْيت أن يكون أحد قد سمعك. همست جزتا على أسناني
_ما الذي حدث لك أخفض صوتك ستفضحنا.!

أبعدت يدي عن فمك بعدما طبعت قبلة خفيفة على باطنها. جعلت قلبي يثور في مكانه و كأنك قد داعبته هو بشفتيك. قلت بإبتسامة و أنت تنظر إلي
_هذا فقط مثال بسيط لما أستطيع أن أفعل. هل أدخل الأن؟

تنهدت بقلة حيلة، و أنا أفتح لك الباب قائلة
_تفضل

سبقتني أنت إلى المرسم ظللت تتجول بين اللوحات وتتفحصها ، حتی وصلتَ إلی اللوحة التي طلبتها زوجتك في المعرض ،فإلتفتت إلي قائلا
_أه ! لوحتي لاتزال عندك علي أن أخذها قبل ذهابي.

أجبتك بجمود و قلبي يحترق من لامبالاتك، فكيف بحق الله تتعامل بهذه البساطة و كأن شيئا لم يحدث؟! كيف؟! أسرقت كل برود أهل الأرض و إستأثرت به لنفسك؟!
أجابتك بغضب بدا طفوليا أمام تأثري بك
_لم تعد لوحتِك إنها لي.

إبتسمت لي و أنت تداعب وجنتي كما فعلت مع رندة في وقت من هذا اليوم
_أه حبيبتي ألا تعلمین أِن الهدایا لا ترد ، ثم أنني تركتها أمانة عندك ، والوفاء بالأمانة واجب.

أبعدت وجهي عنك و أنا أقول بغيظ
_تخليت عنها فلا تأتي لتطلبها مني الأن، هي لم تعد لك أبدا. لا تحلم أن....

قطعتنی قائلا
_لا دعي لإتعاب نفسك بالإعتراض حبيبتي ، سأخذها رغما عنك ، فهي لي و أنا لا أتخلى أبداً عن ما هو ملكي.

إبتعدت عنك و أنا أتمتم بنفاد صبر
_صبرك یِا الله! ما الذي أصابك اللیلة؟! ألن تحل عني؟! هل طاب لك الأن إستفزازي!

_كفاك كلاما ، وإشرعي في رسم لوحتك الجدیدة.

قلتها لي و أنت تجلسني فوق الأريكة التي أرسم عليها و تضع أمامي لوحة بيضاء فارغة، حشرت بعدها الفرشاة حشرا في يدي.

ثم جلست على ركبتيك قرب أريكتي تستند بذراعك على يديها، تنتظرني أن أبدأ الرسم،دون أن تنبس بكلمة

إستغرقت فقط ثواني من التردد، ثم شرعت في الرسم الذي ما إن أبدأه حتى يجذبني هو إليه، بسحر لم أعرف مثله إلا معك.

لم تتوقف عن إبداء ملاحضاتك المهمة وغیر المهمة وتساٶولاتك التي لا تنتهي، و أنت تدقق في كل خط يرسمه يدي ، أحسست أنني قد عدت ثمان سنوات للِوراء حیث لا یوجد إلا أنا وأنت وحبنا ، لاشر لا غدر ولا شمس.

من كان بجانبي لحظتها ليس الرجل الذي خان العهد و كسر قلبي، بل جاسر حبيبي الغالي، الشاب المرح الحيوي، المحب لمباهج الحياة، جاسر صاحب القلب الكبير الذي أغرقني حبا و حنانا في ما مضى.

كان من المقرر أن أذهب اليوم لزيارة أبي و أخي في المقابر ،لكنني لم أفعل. فلم أشعر أبدا بالوقت معك ، دائما ما ينسف وجودك كل شيء في حياتي، يبعثر كل أوراقي و يمحوا كل قرارتي.

غریبٰة هذه القوة التي تجعلك تدمر كل مخططاتي فلا تترك سوی إسمك موجودا في قائمة الأولویات.

لو كان للسعادة لون لكان لون عینیك ، لو كان لها ملامح لكانت ملامح وجهك ،فیا سعادتي جودي علي بحبيبي .

لم أشعر بالوقت إلا حین إستيقظت من نومي علی الأريكة الضيقة، لم أعلم متی وكیف نمت، أنا التي عادة نومها صعب جدا، أعاني دوما فيه من الأرق الليلي، كيف لي أن أغفو كطفل صغير فوق أريكة في إنتظار عودت أبيه ليلا، فيسبق النوم قدوم أبيه، و أنا قد سبق النوم قدوم أشواقي.

حین إلتفت إِلی الوراء وجدتك أنت أیضا نائما علی الأرّیكة الوثيرة التي كنت أستعملها وقت راحتي ، إقتربت منك و جلست أمامك أتفحص ملامحك الحبیبة على قلبي، ربما ستكون أخر مرة أراك فیها قریبا مني، فلن أسمح أبدا بتكرار هذا الخطأ مرة أخرى، لن أضعف أمامك من جديد، أنت رجل متزوج و أنا أبدا لن أهدم أسرة بيدي مهما كان السبب ، كنت أرید أن أحفظ ملامح وجهك إنشا إنشا ، رغم أنني لاأحتاج ذلك من الأصل، فصورتك قد طبعت في قلبي منذ أول یوم رأيتك فیه.

_لم أكن أعلم أنني وسيم لهذه الدرجة حتى تشردي في كل هذا الوقت.

قلتها بإبتسامة جميلة، و صوت خالطته بحة النوم، بينما زرقة عينيك كانت تلمع بصفاء و حب.

كم لزمني من القوة لأغطي على ضعفي بك، كم لزمني من التجلد و الصبر كي لا ألقي بكل وعودي التي قطعتها على نفسي قبل قليل، و أرتمي في حضنك يا معذبي ضاربة بكل شيء عرض الحائط.
لكن لم أكن لأفعل ذلك، فحبيبتك يا قلبي مقاتلة جاسورة لا تهزم هكذا بسهولة.

أجبتك بوجه عبوس و صوت حاولت ما أمكانني أن أجلعه ساخرا مشمئزا
_یبدو أنك واثق من نفسك أكثر من اللزوم أیها الزقاقي!

نظرت إلي بإستغراب، و أنت تستقيم في جلستك مرددا بعدم فهم
_زینب ما بك حبيبتي ؟! مالذي دهاك ؟

إبتعدت عنك وحملت معطفك و رمیته علیك قائلة بغل
_إنتهت اللعبة أیها المحترم ، هل صدقت أنني لا أزال أحبك فعلا! أصدقت ذلك! كیف لي أن أحب شخصا عدیم الشرف والأخلاق مثلك!

بصوت غاضب ، صرخت في وجهي
_زینب!

لم أبدي أي تأثر بصوتك المرعب الذي كان قادرا على جعل أي انثى سواي ترتجف خوفا، بل زدت من حدة كلماتي و أنا أصرخ بك
_دعني أكمل أم إنك تخاف معرفة حقیقتك!، مجرد حیوان متسلق یسعی للعیش في رفاهیة! تحوم حول فتیات الطبقة الغنیة و...

زجرتني بصوت يشبه قصف الرعد
_یكفی أصمتِ !

لم أبالي بغضبك الذي أدرك جيدا خطورته حتى في الماضي، كنت أعلم أنني ألعب بالنار خصوصا لمسي وترا حساسا جدا لديك، فأنا بكلامي أجرح بشدة رجولتك و كرامتك الحبيبة. تابعت دون أن يرف لي جفن و أنا لا أعلم من أين أتتني كل هذه القوة و الجرأة
_لا لن أِصمت. أتظن أنني لا أعلم أنك الأن تعیش علی أموال زوجتك یا عدیم الكرامة! أأوهمتها بالحب كما فعلت معي؟! أوجدت رصيدها البنكي أكثر إمتلاءا من رصيدي! أم أنك تريد جمعنا معا فطمعك لا ينضب أبدا!

رفعت یدك لتصفعني وعینیك تحولت للون الأحمر الدموي لم أبتعد عن مرمى يدك بل ظللت ثابتة في مكاني، و أنا أقول لك
_هيا إفعلها! ماذا تنتظر! إضربني أظهر وجهك الحقيقي الأن! إخلع عنك قناعك الحضري و إكشف رجعيتك و تخلفك!

أنزلت يديك و كورت قبضتك لتكسر الطاولة الزجاجیة بها.
لم تهتم بیدك التي تنزف دما، بل بدوت كأنك لم تشعر بها من الأساس، خرجت صافعا الباب وراءك بعدما حملت معطفك .

بمجرد إختفاء أثرك سقطت علی الأریكة التي نمت أنت عليها الليلة أبكي بمرارة ولا أردد شيئا غیر "سامحني یا حبيبي " أعلم أنني جرحتك كثیرا لكن ما بالید حیلة، كان لا بِد من أن أبعدك عني فأنت شخص متزوج ، وأنا لست مِن مَنِ یبنون سعادتهم علی حساب تعاسة الأخرین.

لا أدري كم مر من الوقت و أنا منهارة تماما فوق الأريكة التي ضمت جسدك و لاتزال تضم رائحتك الحبيبة حتى الأن، أكتوي بلا رحمة بين نارين، نار حبي لك و نار خيانتك لي، دائما ما تخرجني عن طوعي فتجعلني أرتكب أشياء يرفضها عقلي و منطقي ،فهأنا الأن قد كسرت قلبك وكسرت قلبي معك ،أعلم أن كلامي كان جارحا جدا لكنه ما كان لیصلِ أبدا للجرح الذي سسبته لي أنت. فكيف لحد الأن لاأزال أفكر بمشاعرك و أهتم بها؟ كيف؟!

نهظت من مكاني بخطواتِ متثاقلة و دخلت إلی القصر.

صعدت سریعا إلی غرفتي قبل أن تلمحني أمي، فلقد إقترب وقت إستيقاظها ، لا أریدها أن تراني في هذه الحالة یكفیها جرحها وألمها ، لا أستطیع أن أزیدها همي أیضا، لقد شغلت بالها كثيرا وقت مرضي و أنا لا أكره عندي من أن أكون عبأ على من أحب.

دخلت لأخذ حمام ساخن أریح به أِعصابي، كعادتي كلما تأزمت نفسیتي.

أه یا جاسر! اه یا حبیبي! لو تعلم كيف یعذبني بعدك ، و یقتلني حزنك ، فعفوا إعفوا عني یا حبيبي.

خرجت من الحمام بعد مدة، و قد أحسست بالقليل من الإسترخاء ، جففت شعري ورفعته إلی الأعلی ، وإرتدیت طقما رسمیا للعمل.

بإتقان زینت وجهي بمساحیق التجمیل و رسمت عليه ملامح الفتاة القوية التي لا تقهر ، لأدفن ملامح حزني تحت ألوان زاهیة و قویة.

حین نزلت من غرفتي وجدت أمي تنتظرني في غرفة المعيشة ، من نظرتها المتسائلة و المهزوزة علمت ما ترید ، فإبتسمت لها ثم قلت رافعة كتفي
_للأسف لم أذهب

نظرت إلی بتساؤل فتابعت
_لقد تأخرت في المیتم ، فلم أجد الوقت للذهاب.

نظرت إلي بشك، عاقدة حاجبيها بتساؤل فهي تعلم جیدا أنني لا أخلف مواعیدي مهما كان الأمر ، أرأیت ما فعلته بي یامعذبي ، جعلتني غریبة عن نفسي و عن كل من یعِرفني. حدثتها بلهجة حاولت أن أجعلها تحمل نوعا من المرح الذي لا تعرف له روحي سبيلا

_رندة كانت محتاجة لي جدا لهذا تأخرت معها، لم أشأ أن أتركها. و عندما وصلت خطفتني موجة إلهامية لأقضي الليلة في المرسم أمام اللوحات.

أومأت برأسها متفهمة و هي تبتسم لي بحنان. نهضت من مكاني وقبلتها قائلة
_حسنا حبیبتي سأتركك الأن علي الذهاب للعمل كي لا أتأخر

حملت حقیبتي وخرجت من القصر ، إستقلت سیارتي ، لتحتضنني رائحة عطرك التي كانت لا تزال عالقة في المكان، كانت دافئة جدا كحضنك الحبيب ، كانت قوية جدا تغلغلت في أوصالي إستنشقتها بإنتشاء فعادت إلي الروح من جدید، ألم أقل لك أنني لا أتنفس سِوی عشقك؟! لقد كنت الهواء الذي أستنشقه، فكيف لك أن تحرمني من مصدر حياتي؟!

أدرت محرك السیارة وتوجهت للشركة.
لدینا إجتمِاع الیوم ، ستكون أنت حاضرا فیِه لا أعلم میف سأواجهك بعد أحداث البارحة و اليوم، لا أدري كيف لي أن أنظر لوجهك و قد كانت مواجهتنا قاسية جدا. صبرك یا الله أعني علی عذابي.

مالي یا حبيبي لم أعد كیفما كنت، مالي ضعت في بحر هواك ، فلم یعد لي وسطه سواك ، عشت في عشقك متيمة، فلم أعد بعدها أمیز بین نفسي ونفسك.

مر الوقت سریعا في العمل إلی أن وصل وقت الإجتماع ، الذي ستأتي أنت إلیه ، وهأنا الأن أنتظرك بكامل الشوق، لم أعد أدري ما أريده حقا، بعدك يقتلني و قربك يحرقني، أتقطع شوقا إليك و يتراقص قلبي لهفة لقربك،و ترتعش روحي خوفا من الأت. كم كنت أخشى أن أضعف مجددا ما إن أراك، إلا أنني أعود و أمني نفسي بقوة وهمية أمتلكها، أولست صاحبة القلب الجليدي التي لا یؤثِر فیها شيء كما یقلون؟!

إتهموني بالقوة،و لو كشف الستار يوما عن ما بداخلي لصدموا من هول الخراب الملم بروحي. لم یفكرو یوما أن هذه القوة التي يرونها لیست إلا قناعا أدراي به ما بدخلي .

أتت إلي مساعدتي لتخِبرني بمجيئكم أو هذا ما ظننت!
دخلت للإجتماع بشموخ و كبرياء، عيني متلهفة لرؤيتك رغم إدعائي الامبالات، شوقي يهرب مني إليك و لا يعرف سجنا أو ترويضا.

لكن أملي خاب فلم تكن أنت هناك، أتعلم من عوض غیابك يا حبيبي؟إنها هي زوجتك المصون.

لا أستطيع أن أفهم ما تفكر به أو تقصده من أفعالك يا جاسر، هل تتعمد إغاظتي بإرسال زوجتك الحبیبة إليٌ؟ أهكذا قررت الإنتقام مني؟!

إقتربت منها ومددت یدي لأصافحهِا قائلة
_سیدة شمس مرحبا بك عندنا ، نورتي الشركة.

شيء ما كان غريبا فيها، وجهها المشرق عادة، كان يبدو أقل نضارة و قد كساه بعض الشحوب.

إبتسمت لي قائلة بود
_الشركة منورة بوجودك أنسة زینب.

إبتسمت لها بمجاملة قائلة
_تفضلي، إجلسي

جلست في نفس اِلمكان الذي كنت تجلس فیه ، هل هذه مصادفة؟ ألهذه الدرجة یجمعكم القدر؟

كنت شاردة طوال الإجتماع ، بالي كله معك ، لماذا لم تأتي یا حبیبي؟ لماذا؟ أقررت أن تعاقبني بغيابك الأن؟! أعلم أنني قد بالغت في ردة فعلي، ما كان علي جرحك بهذه الطريقة، لكن أنت السبب. أنت من جعلت قلبي صلبا لا یعرفِ الرحمة ، فلا تلمني الأن يا معذبي.

إنتهی الإجتماع وإنصرف الجمیع ، لدن زوجتك ظلت في المكتب ولم تخرج ، كانت تبدوا متوترة جدا، تتلاعب بأصابعها الرقيقة، و تدير خاتم الزواج الموضوع في إصبعها، فيعتصر قلبي مع كل إستدارة له، أحسست أنها ترید أن تقول شيئا من لغة جسدها التي تفيض قلقا و ترددا، إقتربت منها سائلة إياها
_سیدة شمس ، هل أنت بخير؟! أأستطيع مساعدتك في شيء ؟

أجابتني بتلعثم
_فی..الحِقیقة أأأأ....

صمتت مجددا و كأنها عجزت عن المتابعة، لتخظ رأسها أرضا و هي تعض على شفتيها بتوتر. حاولت أن أحدثها بلهجة متفهمة ما أمكن و أنا أسألها
_مابكِ ؟ هل أنت بخیر سیدة شمس ؟ تستطيعين أن تخبريني بما تريدين.

رفعت وجهها إلي و هي تقول بتلعثم
_أنسة زینب ، أأ لا أعلم ماذا سأقول ،لكن أرید التحدث معك بشأن جاسر.

سقط قلبي رعبا من مكاني، هل علمت بما كان بيننا و أتت الأن لتتهمني بمحاولة سرقتك لها؟! و ما عذري في ذلك؟ كيف لي أن أدافع عن نفسي من هذه التهمة التي إلتصقت بي و لست قادرة حتى على إقناع نفسي ببراءتي، ما أنا الأن إلا خائنة، تحوم حول زوج إمراة أخرى، إنتقلت عدوى التوثر إلي لأسألها بتلعثم غريب تماما عني
_جج ..جاسر ، مابه؟

مجددا عضت على شفتيها بتوتر و هي لاتزال تتلاعب بذلك الخاتم اللعين، كما تتلاعب بأعصابي و قلبي. تحدث بصوت منخفض كساه الحرج
_في الحقیقة جاسر لم یعد البارحة إلی البیت بعد أن ذهب معك إلى الميتم ، وعندما أتی متأخرا هذا الصباح كان ثملا ، ویده تنزف دما ، لقد كسر كل شيء في البیت ، وكان....

توقفت مجددا عن الحديث لأحثها.
_كان ماذ؟ لما توقفت؟ تابعي.

أخفضت رأسها و هي تقول
_في الحقیقة أأأ كان یِصرخ بإسمك.

_بإسِمی أنا؟

_أجل لهذِا جئت لأسألك.

_هل أستنبط من كلامك سيدة شمس نوعا من الإتهام؟!

رفعت رأسها إلي بصدمة و هي تقول
_يا إلهي أنسة زينب! ماذا فهمتي؟! صدقيني أنا لم أقصد ذلك أبدا، أعلم أنك إنسانة ملتزمة، فقط أنا جئت لأسألك إن حدث بينكما مشكل ما.

رفعت كتفي قائلة
_أسفة سیدة شمس،لا یمكنني مساعدتك ، لم أری جاسر منذ خرجنا من الخیریة.

أخفضت رأسها و هي تحمل محفظتها قائلة
_حسنا ، أنا أسفة علی الإزعاج.

و قبل خروجها توجهت إلي لتمسك بيدي قائلة.
_أسفة جدا أنسة زينب، أتمنى أن لا تفهمني غلط، فقط انا قلقة جدا على جاسر لهذا تصرفت بتهور. أرجوك إن علمت عنه أي شيء خبريني.

قَالتها ثم خرجت من الممتب. ما إن اغلقت الباب وراءها حتى إرتميت جالستا بتعب علی أقرب كرسي كان أمامي ، أفكر في الأحداث الأخیرة وأحاول فهمها ، كنت قلقة جدا عليك، كما كنت قلقة من إحساس زوجتك بأي شيء أكره من أعماق قلبي هذا الدور الشرير الذي رميت فيه، تتقاذفني رياح الأفكار شرقا و غربا، فيغلب قهري و ألمي على كل شيء، ما هذه اللعنة التي أصبت بها؟ ففقدت بعدها كينونتي، فقدت فيها نفسي قبل كل شيء؟! ما يقهرني هو خيط الأمل الرقيق هذا الذي علقتني به على حافية الهاوية، فما تركتني أقضي نحبي على صخور الواقع الحادة، و ما أعطيتني جناحين لأحلق بهما في سماء الحب.

تركت قاعة الإجتماعات لأتوجه إلى مكتبي،
حملت حقیبتي ثم خرجت بسرعة منه، مررت بمساعدتي لأحدثها دون أن أتوقف
_مریم إلغي جمِیع الإجتماعات التي لدي اليوم!

لم أنتظر جوِابها ،نزلت السلالم بسرعة متوجهة إلی سيارتي ، ظللت أتجول في الطرقات دون هدا ، أمشي ولا أعرف إلی أین ،تعبت، تعبت كثیرا يا قاتلي ، فكیف عساني أصبر علی عذابي؟ِِ قل لي أرجوك كيف سأتحمل بعدك؟كیف للمرء أن یعیش دون هواء ؟كيف للزهور أن تكبر بلا ماء ؟ و كيف لي أن أستمر دون هواك؟!

حین أوقفت سيارتي علمت أین أنا ، یبدو أن كلي إتفق علی هواك ، حتی رجلي في الأخیر قادتني إلی طیفك.

لقد كان هذا هو المطعم الذي شهد أخر لقاء لنا قبل ذهابك إلی الغربة هنا تعاهدنا أن لا نفترق مهما كانت الظروف ، تعاهدنا أن المسافات لن تلغي شيئا من حبنا، و أن الفراق لن يكون إلا ماء يروي بذرة عشقنا، أمطرتني وعودا و أمالا، أوهمتني حبا سرمديا زينته بأحلى كلمات العشق و أشعار الغزل.

لكنك خنت العهد یا قاتلي فلا تطلب مني الغفران الأن .
توجهت إلی نفس المقعد الذي كنا جالسین علیه حین ذلك ، كنتَ قد حفرت على الطاولة الحروف الأولی من إسمینا إلی جانب علامة ملانهایة ،كم الحب خداع يا حبيبي يجعلنا نثق في خرافات كاذبة لا أساس لها من الصحة، ففي عالم الفناء ما كان هناك مكان للأبدية أبدا، ظللت أتحسسِها بإصبعي في شرود و إبتسامة حزينة قد إرتسمت على شفتي.

_نحن لا نعود إلی نسمات الماضي إلا حینِ نحّن إلیه .

كان هذا صوتك الذي أخرجني من شرودي ، لم أكن أتوقع أبدا أن ألتقیك هنا، و بهذه اللحظة بالذات ، لكنني حاولت ما أمكنني أن أبدو طبیعیة ، إبتسمت لك بجمود ثم قلت
_لیس بالضرورة أن نحب الماضي لنعود إلیه ، الماضي دروس علینا مراجعتها جمیعها للنجاح في مدرسة الحیاة.

جلست أمامي على الطاولة نفس جلستك قبل ثمان سنوات، لتقول لي بهدوء
_أتظنین أنك ستخدعینني بكلامِك.! مهما نسجتي في الكلمات لتقنعيني بأكاذیبك لن تفلحیِِ فأنتِ تتكلمین وعینیك یأكدان عكس ما تقولین.

حملت حقیبتي ونهضت مغادرة المكان، وصلني صوتك و أنت تقول
_حتی لو هربتي الأن یا زینب ، فإنك لن تستطعي أن تهربي من الحقیقة أبدا.

لا أنكر أن كلامك كله كان صحیحا ، لكن المشكلة لیست في التصدِیق يا جاسر بل في التطبیق، دائما ما تضغط علی جرحي یا معذبي دون أن تهتم بمشاعري ، تعلم جیدا حجم الألم الذي تسببه لي لأنك لا تكثرت به، فأي نوع من الرجال أنت ؟

توجهت إلی محل لبیع الزهور لأشتري باقة مِن أجل قبر أبي و أخي و أخری من أجل أمي،أتعلم درجة عشقي للورود ؟ لا تستطيع أن تتصور أبدا كم أهواهم ، حنین أیضا تحب الزهور أذكر أننا في أحد الأیام حین صرح كلانا بحبه للزهور ، إتفقنا أن نتبادل باقتها في ظل غیاب من یحضرها لنا .

أتعلم أن حنین وأِخي زیاد كانت تربطهما علاقة حب قوية جدا ؟! كان ملاهما یحب الأخر بجنون، لكن الحیاة الظالمة كتبت لهما فراقا أبديا.

حبيبي زياد، كان أخا رائعا جدا طيبا و حنونا مثل أبي تماما، لقد كان عاشقا رائعا متيما بصديقتي الغالية، شاعرا رقيق الحس مرهف المشاعر، كنت أحب علاقته مع حنين كثيرا، فقد كان لها دوما أبا و حبيبا و أخا، حنين التي فقدت عائلتها في سن مبكرة، فأشعلت حمائية أخي عليها، كما أشعلت قلبه حبا بها رغم أن حنین كتومة جدا إلا أنني أعرف جیدا أنها تتعذب كثیرا بسبب فقدان حبیبها ، منذ وفاته رفضت الإرتباط بأي واحد كان، رغم العروض المغریة التي كانت تأتیها، و زاد إنطواؤها على نفسها فقطعت أي علاقات أجتماعية غير علاقتها بي.

أخي زیاد حبيبي ، هو الفرد الوحید تقريبا من عائلتي الذي كان یعلم كل شيء عن علاقتنا ، وكان یساندنا دوما ، لقد كان دوما لي صديقا حميما و بئر لأسراري، كان سندي و قوتي و أغلى ما أملك، كنت مدللته دوما، يعاملني برقة شديدة كزجاجة قابلة للكسر، كان یأمل أن یكون زفافنا في یوم وِاحد مع زفاِفه من حنین ،لكن القدر سرقهِ قبل أن یحققِ حلمه ، وأبعدك أنت عني. فكيف لي بالصبر على كل هذه المآسي، كيف لقلبي أن يتحمل كل هذا الفراق؟!

وصلت إلی المقبرة وتوجهت إلی قبر أبي و أخي المتجاورين ، جلست علی حافة القبر أمرر یدِی علی تربتهما ، كان قبریهما متلاصقان ببعضهم البعض، كما كان دوما في حياتهما، فأبي و أخي كان صديقين قبل أن يكونا أبا و إبنه.

لعنة قد أصابت عائلتي فشطرتها نصفين، نصف توارى تحت التراب و نصف أخر توارى تحت مآسي الحياة الظالمة.

بعد أن تلوت بعد الدعوات و آیات من الذِكر الحٓكيم ، بدأت بالتحدث إلیهما ، لا أعلم هل بمقدور المیت أن یسمعنا لكن ما بالید حیلة لم أجد من یسمعني من الأحیاء فتوجهت إلی الأموات
_أبي ، زیاد إشتقت لكما كثیرا أتعلمان الحیاة فارغةبدونكما؟!
أمي حالتها تسوء یوما بعد یوم ، منذ تركتمانا ، أما أنا فقد إنقضت كل ذرِة صبر كانت لدي ، إنني أحترق. أحترق یا أبي من الحزن و الأسی ضاقت بي الدنیا علی وسعها ، فیا لیتني أتي إلیكما.
لماذا تركتمانا ؟ لماذا؟ لماذا كلِ الأشخاص الذین أحبِهم یذهبون ويتروكننی وحدي؟ِ أهي لعنة سلطت علي؟! أهو ذنب إرتكبته و لا زلت ادفع ثمنه القاسي من نزيف روحي؟!

إلی هنا لم أستطع الصبر أكثر ، فإنفجرت باكیة علی قبريهما ، لأحس بیدك تربث علی ظهري
_إستعیذی بالله من الشیطان الرجیم ، أنت الأن تعذبنهما كوني أقوی من هذا حبيبتي

لم أكن في حالة تسمح لي أن أفكر في أية ردة فعل أستقبلك بها، فالألم كان أقوى من أي إعتبارات أخرى، حاجتي لمن يساندني كانت أكبر من كل قوتي إرتمیت في أحضانك ، وأكملت نوبة بكائي ظللت تمسد علی شعري برقة وأنت تهمس لي بكلمات مواسية، لم أكن لأستوعب معناها، لكن فقط لهجتها الحانية أراحت قلبي المتوقد ، لا أعلم لما مهما بنيت من حصون و قلاع على نفسي، مهما إرتديت من قناع لأداري به خوالجي، أراك تتسلل كالسحر من بين كل الحواجز، فأظل أمامك عارية الروح تماما، أسقط بين يديك ككتاب مفتوح، تقرأه أنت بعينين مغمضتين..
حینما إستعدت هدوئي إبتعدت عنك دون أن أملك الشجاعة للنظر إلى عینيك ، وبصوت منخفض همست
_شكرا لك

أجبتني بنفس هدوئي
_لا دعي للشكر لم أفعل شيئا.

نهضت من على حافة القبر و حملت حقیبتي لأذهب، همست لك بتعب
_وداعا.

_إلی اللقاء

قلتها وكأنك ترفض كلمة الوداع هذه وتقر علی أن هناك لقاء أخر .لا أعلم هل ما جمعنا الیوم كان صدفة ، أم انها رسائل من القدر، أوا كلما قررت الإبتعاد أجد نفسي أقترب منك أكثر؟!

إستقلت سیارتي، ظللت جالسة فيها لمدة و أنا أستند برأسي على ظهر الكرسي، رائحة عطرك كانت لاتزال تغمر المكان، أو ربما كانت تغمرني أنا بعد عناقنا، أو لعلها كانت من نسج أوهامي. جمرة ملتهبة تحرق روحي و حبي و حنيني إليك يقتلانني، و ذكرى زوجتك عندما حدثتني في المكتب تمزق أوصالي.

ليت حبك أو عزة نفسي كان أحدهما أقل من الأخر، ربما حينها كنت لأكمل طريقي و أتخذ القرار، فأنا الأن وسطهما ممزقة تماما، روحي ساحة حرب لهما، كل مرة أسقط فيها ضحية فأموت بدل المرة ألفا؟!
أي مكانة إخترتها لي في حياتك يا حبيبي و أنت رجل متزوج؟! أعشيقة أم زوجة ثانية؟!
اصارحك القول في كل منهما إمتهان لكرامتي و تمزيق لقلبي العاشق. ربما، ربما لو كنت اقل عزة نفس و اقل كرامة من ذلك لوافقت على أي شيء من أجل قربك، لكن هاته أبدا ليست أنا. و ما كانت لتكون أنا.

حركت سيارتي بعد أن أرهقني التفكير العقيم الذي لا يزيد إلا من حيرتي و ألامي لأتوجه إلی المنزل علني أجد في طياته التي حملت لي قديما كل الدفئ، رمادا من الماضي يطفئ القليل من صقيع روحي الباردة.
حين وصلت وجدت أمي جالسة في الحدیقة، كالعادة لا يفرقها الشرود أبدا و هي تنظر إلى الارجاء بعينان لا تريان ما أمامهما بل تطلان على عالم أخر. عالم من أطلال الماضي، لم تظل فيه إلا أطياف مشوهة لسعادة ميتة.

لم تفطن لوصولي، و قد كانت مغيبة تماما عن العالم. حالة أمي يا جاسر تقلقني كل يوم أكثر، بعد مرور ما يقارب الست سنوات لم يتغير شيء من حالتها، بل هي تزيد إنطواءا يوما بعد يوم تذبل كل لحظة و تتساقط أورقها واحدة تلو الأخرى، حتى ما ظلت إلا جسدا بلا روح. إنحنيت إليها و قبلت شعرها الذهبي، رفعت رأسها إلي، لتبتسم لي بحنان ما إن رأتني مسدت على وجنتي برقة، أعشقها منها.
رفاث إمرأة كانت يوما متوهجة نشاطا و حبا و حيوية، لا يزال يحمل رغم المصائب، قلبا ينبض بالحنان و الحب.
أمي ستظل دوما أغلى ما أملك، حتى و انا افتقدها الأن و هي موجودة بعد ان سرقها مني الحزن،
أهدیتها باقة الزهور البیضاء التي إشتریتها من أجلها.
فأشرق وجهها بإبتسامة رائعة رغم الحزن العاصف الذي يستوطن عينيها، ربما و هي تنظر إلى هذا الورد، كانت تتذكر الورد الذي إعتاد أبي أن يجلبه لها في الماضي مع إختلاف الألوان، فقد كان أبي يجلب وردا من اللون البنفسجيّ الفاتح يمل قليلا إلى الأزرق السموي.
لكل حب لون، لكن ليس لكل لون دلالة، فدلالته تتغير بين حب و أخر، فالأحمر قد يكون لون العشق و قد يكون لون نزيف دموي، حب أمي و أبي كان أزرقا سمويا قد باركته السماء، كان في صفاء يوم ربيعي جميل زرقته الفاتحة تجلب السلام للنفوس. و حبنا كان أبيضا لكنه لم يحمل الدلالة الإعتيادية للبياض، لقد كان أبيض مخيفا كالكفن، أبيضا كعالم خال إختفت منه الألوان.

جلست جانبها في أحد الكراسي الموضوعة في الحديقة، حدثتها قليلا ثم أخبرتها بعد ذلك عن ذهابي إلی المقبرة من أجل زیارة أبي و أخي.

كالعادة كل ما أفعل ذلك تنتفض قليلا و كأنها تسمع خبر موتهما من جديد، يعود الألم للإشتعال بعينيها اللتان أصبحتا رمادا بعد الحرائق المهولة التي أكلت كل حياة فيهما.

لم يكن بوسعي أن أخفف عليها بأي طريقة، لو كان بإمكاني لإمتصصت جميع ألمها لأضعها في صدري، ربما حينها تعيش هي مرتاحة و تعود كما كانت. و أنا...لا يهم في الحقيقة ما سيحدث لي.

صعدت إلی غرفتي وأخذت إحدی كتبي المفضلة لأقرأِها ، لعلي أنسی بين سطورها و وهمها قلیلا من ألامي .
حین حملته سقطت من بین أوراقه وردة بيضاء مجففة ، تحول لونها إلى أصفر باهث بسبب عوامل الزمن، لقد كانت هذهِ هي أول وردة أهدیتهِا لي ، حین إعترفت لي بحبك ،كانت وردة واحدة ، لكنها كانت أغلی من ورود العالم مجتمعة، دائما كنت قنوعة أرتضي بالقليل معك، فإستكثرت علي هذا القليل أيضا، من أي معدن صيغ قلبك القاسي، فحتى الحديد يلين، بينما أنت صلب لا تلين، الرحمة، الرحمة يا معذبي ما أنا إلا عاشقة أنهكها الحب، ما أنا إلا إمرأة قد إتخذت من حبك حياة، فلا تحرمني منها يا من إليه نذرت عمري.
كنت لي الماضي والحاضر ، فما أنا بماضيّ أهنأ ،ولا من حاضري أستبشر.

سریعة هي الأِیام ، سریعة أكثر بكثیر من جمیع المقاییس التي كنا نتصور ، تأخذ منا و لا تعطي و لاتزال لأحوالنا تغیر،ولأحلامنا تبخر وتدمر ، لكننا لانزال في قراراتنا نتهور ،لانزال ننسی ولا نتذكر أن الزمان ?له مدبِر ، و أنّ الحاضر بالماضی مثمر ، لانزال للصدف ننتظر نبحث فیها عن حلم مزهِر ، لانزال في أخطائنا نستمر ، و من واقعنا لا نعتبر.
العمر يمضي و الألم لايزال مترسبا على جميع سنينه، فأين الخلاص من كل هذا؟!


انتهى الفصل الثالث
قراءة ممتعة لكم
نورهان الشاعر ♥️
 
Comment

كاسيوبيا

غــجـرَيّـة الـمـجـرَة♘
مستشار الادارة
إنضم
14 أبريل 2023
المشاركات
57,253
مستوى التفاعل
63,526
الإقامة
مجرة أندروميدا
مجموع اﻻوسمة
24
جمرة العشق.... نورهان الشاعر
_


سأكون ممتنة لو أن
نورهان ضيء المكان
تعود وتكملها

طمنيني عنها جميلتي نبض الحياة @نبض الحياة 🌷
 
Comment

المواضيع المتشابهة

مجيد الجنابي
الردود
14
المشاهدات
259
مجيد الجنابي

sitemap      sitemap

أعلى